الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّابعد
قد نال صلى الله عليه وسلم أعلى المنازل، وحظي عند ربه بأكبر المقامات ، فهو صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، أُسري به إلى السموات العلى حتى بلغ سدرة المنتهى، وبلغ مقاما لم يبلغه مخلوق قبله ولا بعده، وأنعم الله عليه بالمعجزات، وأيده بالآيات، فما ذكر شيئا من ذلك على وجه الفخر ،بل كان التواضع صفته، فكان إذا أخبر عن منزلته تلك يقرن إخباره بها بنفي الفخر.
وإن الحديث عن شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم لا تتسع له المجلدات ولا خطب في سنوات، ولكن الله جل في علاه لخصه افي كلمات فقال ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾، فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله - صلى الله عليه وسلم - منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه
عن عطاء رضي الله عنه قال قلت لعبد الله بن عمرو) أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة )قال) أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِد اًوَ مُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولاصخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا) رواه البخاري
بعض صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية
عن أنس بن رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشا تكفأ، وما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا شممت مسكاً، ولا عنبراً أطيب من رائحة النبي صلى الله عليه وسلم».
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً، ليس بالطويل البائن ولا القصير (مربوع)، عريض مابين المنكبين كث اللحية، تعلوه حمره، جمته إلى شحمة أذنيه ، ضخم الرأس واليدين والقدمين، أبيض الوجه مستديراً ، إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كاّن وجهه قطعة قمر، لا يضحك إلا تبسماً، وإذا نظرت إليه قلت أكحل العينيين وليس بأكحل.
كان أحسن الناس خلقًا
عن عائشة رضي الله عنها قالت )كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن (رواه مسلم
عن أنس رضي الله عنه قال )كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا( رواه الشيخان
وقال صلى الله عليه وسلم )إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا(رواه البخاري
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم) اللهم اهدني لأحسن الأعمال، وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت, وقني سيء الأعمال وسيء الأخلاق، لا يقي سيئها إلاأنت(
حلم النبي صلى الله عليه وسلم
وعن أنس رضي الله عنه قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة، فنظرت إلى صفحة عنق النبي، وقد أثر بها حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمرله بعطاء
وقد قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس )إن فيك خصلتين يحبهم االله ورسوله الحلم والأناة(أخرجه مسلم
ما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه وماغضب لها
فعن عائشة رضي الله عنها أنه اقالت(.. وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم)
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
عن أنس رضي الله عنه قال) إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتنطلق به حيث شاءت( رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم)إن الله أوحى إلى أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد(
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وما تواضع أحد لله إلارفعه الله ( رواه مسلم وظاهرالحديث يعني الرفعة في الدنيا والآخرة
ويوم الفتح الأكبر حين دخل مكة منصورا مؤزرا، دخلها وقد طأطأ رأسه تواضعا لله تعالى، حتى إن رأسه ليمس رحله من شدة تواضعه لربه
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ وقال تعالى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ وقال تعالى لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌعَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
قال صلى الله عليه وسلم(.. وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».
خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله
قال صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي عن عائشة
ومن دلائل شدة احترامه وحبه لزوجته خديجة رضي الله عنها، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)،وذلك بعد مماتها رواه البخاري
حثه صلى الله عليه وسلم على بر الوالدين وصلة الأرحام
قال رجل من الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك قال: ثم من؟ قال : أمك قال: ثم من؟ قال : أمك قال : ثم من؟ قال : أبوك- رواه البخاري ومسلم
قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) قالها ثلاثًا، فقال الصحابة بلى يا رسول الله، قال(الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم) لا يدخل الجنة قاطع (أي قاطع رحم) رواه البخاري
الوصية بالجار
قال صلى الله عليه وسلم(ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره (رواه البخاري
تيسير النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) دعوه، وأهرقوا على بوله ذنوبًا من ماء، أوسجلاً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين (رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم )إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه (رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم )وإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلاشانه )رواه مسلم
حياء النبي صلى الله عليه وسلم
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال (كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًاعرفناه في وجهه)رواه الشيخان
وقال صلى الله عليه وسلم) إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري
زهده صلى الله عليه وسلم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كان لي مثل أحد ذهباً؛ لسرني أن لا تمر علىّ ثلاث ليالي، وعندي منه شيء إلاّ شيئاً أرصده لدين)
شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم
قال البراء رضي الله عنه: "كنا والله إذا احمرّ البأس نتقي به وإن الشجاع منا الذي يحاذي به صلى الله عليه وسلم"متفق عليه
ختاما
فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمَّ التواضع، وافر الأدب، يبدأ الناس بالسلام، وينصرف بكله إلى محدثه، صغيراً كان أو كبيراً، ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح، ولم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته، أو حاجة صاحب، أو جار، كان يذهب إلى السوق، وكان يجيب دعوة الحرِّ، والعبد والمسكين، ويقبل عذر المعتذر، وكان يرفو ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه، وكان في مَهنة أهله، وكان يأكل مع الخادم ويقضي حاجة الضعيف والبائس، لا ينطق من غير حاجة ، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم، كان يؤلِّف ولا يُفرق ويُقرب ولا يُنفر، كان دائم البشر، سهل الخُلق، لين الجانب.
وهو صلى الله عليه وسلم أوفر الناس عقلاً ، وأسداهم رأياً ، وأجودهم نفساً ، أجود بالخير من الريح المرسلة ، يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وما عُرِض عليه أمران إلا اختار أيسرهما ، مالم يكن إثما أو قطيعة رحم ، وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب وأشدهم مع الحق ،لا يغضب لنفسه ، بل كان غضبه إذا انتُهِكت حرمات الله، أشجع الناس وأقواهم ، أعف الناس لساناً ، وأوضحهم بياناً ، وأعدلهم وأعظمهم إنصافا ، أرحب الناس صدراً ، وأوسعهم حلماً ، يصبر على من آذاه ، ويحلم على من جهل عليه ، ولا يزيده جهل الجاهلين إلا أخذاً بالعفو ، ويبتسم في وجه محدثه ويقبل عليه ، أرحم الناس وخيرهم لأهله وأمته ، كان أكثر الناس تواضعا ، وأخفضهم جناحا ، وألينهم جانبا .
ذلك قبس من نور النبوة، فما أحوجنا إلى أن نتعرف على كل صغيرة وكبيرة في حياة نبينا صلى الله عليه وسلم، وذلك للقيام بحقه علينا، من محبة وأدب، وتوقير ونصرة، واتباع واقتداء، قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (الأحزاب:21للدفاع عن التصوف والصوفية بالسودان