التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التوسل والاستغاثة من دين الاسلام

التوسل والاستغاثة من دين الاسلام ولو ردهما الجاهلون *:يقول الشيخ أحمد شهاب الدين بن حجر الهيتميّ المكّيّ، في كتابه الجوهر المنظّم في زيارة القبر الشريف النبويّ المكرّم، والاستغاثة به، في إثبات مشروعيّة الاستغاثة به صلّى الله عليه وسلّم - إنّ من أنكر الاستغاثة والتوسّل به صلّى الله عليه وسلّم فإنّ ممّا يدلّ لطلب التوسّل به صلّى الله عليه وسلّم قبل خلقه، وأنّ ذلك هو سير السلف الصالح الأنبياء والأولياء وغيرهم. فعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال:( ولمّا اقترف آدم الخطيئة، قال:يا ربّ أسألك بحقّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم إلاّ ما غفرت لي، قال الله: يا آدم كيف عرفت محمّدا ولم أخلقه، قال:يا ربّ لمّا خلقتني بيدك، ونفخت فيّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا:لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، فعلمت أنّك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحبّ الخلق إليك، فقال: صدقت يا آدم، إنّه لأحبّ الخلق إليّ، وإذ سألتني بحقّه فقد غفرت لك، ولولا محمّد ما خلقتك ) أخرجه الحاكم وصحّحه، والمراد بحقّه صلّى الله عليه وسلّم رتبته ومنزلته لديه تعالى، أو الحقّ الّذي جعله الله سبحانه وتعالى له على الخلق، أو الحقّ الّذي جعله الله تعالى بفضله له عليه. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال:كنت ردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حمار، يقال له عفير، قال:فقال لي:( يا معاذ، تدري ما حقّ الله على العباد، وما حقّ العباد على الله، قال:قلت:الله ورسوله أعلم، قال:فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وحقّ العباد على الله عزّ وجلّ أن لا يعذّب من لا يشرك به شيئا، قال:قلت:يا رسول الله، أفلا أبشّر النّاس، قال:لا تبشّرهم فيتّكلوا ) رواه مسلم في صحيحه كتاب الإيمان ورقم الحديث ( 44 )، إذ لا يجب على الله تعالى شيء. ثمّ السؤال به صلّى الله عليه وسلّم ليس سؤالا له حتّى يوجب إشراكا، وإنّما هو سؤال الله تعالى بمن له عنده قدر عليّ ومرتبة رفيعة وجاه عظيم، فمن كرامته صلّى الله عليه وسلّم على ربّه أن لا يخيّب السائل به، والمتوسّل إليه بجاهه، ويكفي في هوان منكر ذلك حرمانه إيّاه. - ولننظر ما حدث في حياته صلّى الله عليه وسلّم:فعن عثمان بن حنيف، أنّ رجلا ضرير البصر أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:( فقال:ادع الله لي أن يعـافيني، فقال:إن شئت أخّرت لك وهو خير، وإن شئت دعوت، فقال:ادعه، فأمره أن يتوضّأ فيحسن وضوءه، ويصلّي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء:اللّهمّ إنّي أسألك، وأتوجه إليك بمحمّد نبيّ الرحمة، يا محمّد إنّي قد توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتقض، اللّهمّ شفّعه فيّ ) رواه ابن ماجة في سننه كتاب إقامة الصلاة والسنّة فيها ورقم الحديث ( 1375 )، وصحّحه البيهقيّ، وزاد:( فقام وقد أبصر )، والمقصود بذلك أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم علّمه ولم يدع له، لأنّه أراد أن يحصل منه التوجّه وبذل الافتقار والانكسار والاضطرار، مستغيثا به صلّى الله عليه وسلّم ليحصل له كمال مقصوده، وهذا المعنى حاصل في حياته، وبعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم. - ومن ثمّ استعمل السلف هذا الدعاء في حاجاتهم من بعد موته صلّى الله عليه وسلّم، وقد علّمه عثمان بن حنيف الصحابيّ رواية لمن كان له حاجة عند عثمان بن عفّان زمن إمارته بعده صلّى الله عليه وسلّم، وعسر عليه قضاؤها منه وفعله فقضاها، رواه الطبرانيّ والبيهقيّ. - وقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه ذكر في دعائه:( بحقّ نبيّك والأنبياء الّذين من قبلي ) رواه الطبرانيّ بسند جيّد، إذا لا فرق بين ذكر التوسّل والاستغاثة والتشفّع والتوجّه به صلّى الله عليه وسلّم أو بغيره من الأنبياء، وكذا الأولياء، وذلك لأنّه ورد جواز التوسّل بالأعمال، وإنّ عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه: ( توسّل بالعبّاس رضي الله عنه في الاستسقاء ولم ينكر عليه )، وكأنّ حكمة توسّله به دون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقبره إظهار غاية التواضع لنفسه، والرفعة لقرابته صلّى الله عليه وسلّم، ففي توسّله بالعبّاس توسّل بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. - والاستغاثة طلب الغوث، والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره، وإن كان ذلك لغير أعلى منه، فالتوجّه والاستغاثة به صلّى الله عليه وسلّم وبغيره ليس لهما معنى في قلوب المسلمين غير ذلك، ولا يقصد بهما أحد منهم، إلاّ أنّ المستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم واسطة بينه وبين المستغيث، فهو سبحانه مستغاث به، والغوث منه خلقا وإيجادا، والنّبيّ مستغاث، والغوث منه سببا وكسبا، ومستغاث به مجازا. - وقد صحّ في حديث طويل:( أنّ النّاس أصابهم قحط زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فجاء رجل إلى قبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال:يا رسول الله استسق لأمّتك فإنّهم قد هلكوا، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في النوم، وأخبره أنّهم يسقون فكان كذلك، وفيه ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنّهم يسقون، وقل له:عليك الكيّس الكيّس، أي الرفق لأنّه رضي الله عنه كان شديدا في دين الله، فأتاه فأخبره فبكى، ثمّ قال:يا ربّ ما آلو إلاّ ما عجزت عنه، وفي رواية:أنّ رائي المنام بلال بن الحارث المزنيّ الصحابيّ الجليل رضي الله عنه ). - قال الإمام السبكيّ:اعلم أنّه يجوز ويحسن التوسّل والاستغاثة والتشفّع بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى ربّه سبحانه وتعالى، وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكلّ ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالح والعلماء والعوام من المسلمين، والتوسّل بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جائز في كلّ حال قبل خلقه وبعده، في مدّة حياته في الدنيا، وبعد موته في مدّة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة والجنّة، وهو على ثلاثة أنواع:أن يتوسّل به صلّى الله عليه وسلّم، بمعنى أنّ طالب الحاجة يسأل الله تعالى به، أو بجاهه أو ببركته، فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة. - وقال الشيخ الرمليّ:وللرسل والأنبياء والأولياء إغاثة بعد موتهم، لأنّ معجزة الأنبياء، وكرامة الأولياء لا تنقطع بعد موتهم، أمّا الأنبياء فإنّهم أحياء في قبورهم، يصلّون ويحجّون كما وردت به الأخبار، فتكون الإغاثة منهم معجزة لهم، والشهداء أيضا أحياء شوهدوا نهارا وجهارا يقاتلون الكفّار، وأمّا الأولياء فهي كرامة لهم. *:يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى للخليفة الثاني من بني العبّاس، وهو المنصور، جدّ الخلفاء العباسيّين، وذلك لمّا حجّ المنصور، وزار قبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم - سأل الإمام مالك وهو بالمسجد النبويّ، وقال له:يا أبا عبد الله، استقبل القبلة وأدعو، أم استقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟، فقال الإمام مالك:ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك، ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى، بل استقبله واستشفع به، فيشفّعه الله فيك، قال تعالى:( ولو أنّهم إذا ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول لوجدوا الله توّابا رّحيما / النساء آية / 64 )، ذكره القاضي عياض، في الشفاء، وساقه بإسناد صحيح، وذكره الإمام السبكيّ، في شفاء السقام في زيارة خير الأنام، والسيد السمهوديّ، في خلاصة الوفـا، والعلاّمة القسطلانيّ، في المواهب اللدنيّة، والعلاّمة ابن حجر، في تحفة الزوّار، والجوهر المنظّم، وذكره كثير من أرباب المناسك في آداب زيارة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. - وإنّ ما نقل عن الإمام أبو حنيفة:من السنّة أن يستقبل القبر المكرّم، ويجعل ظهره للقبلة، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم حيّ، ومن يأتي الحيّ إنّما يتوجّه إليه