التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خلاوى السودان




هل تريد أن تعرف كيف حافظ السودان على عروبته وإسلامه وهو البلد الذي تتقاذفه أمواج الزنجية والمسيحية والوثنية و"غزو" اللاجئين والتشظي بين ثلاثمائة لغة وقبيلة وإثنية؟ السبب يمكن أن تجده هنا في تلك الحجرات الضيقة ذات الدور الواحد والمشيدة من الطوب اللبن المسماة بالخلاوي! 
لم يحقق الطلاب أو (الحِيران) بكسر الحاء الذين يفترشون تراب الأرض، ويجلس شيخهم على حصيرة - أمل أسرهم في تخريج شيخ عابد يحفظ القرآن فحسب، ولكن استطاع هؤلاء الصبية الصغار طوال تاريخهم الممتد أن يحافظوا على ثوب السودان عربيًّا مسلمًا؛ إذ عندما يدخل الصبي للخلوة يتسلم اللوح والقلم، ويتسلم معه -دون أن يدري- رسالة القبض على اللسان العربي المسلم والمحفوظ بكتاب الله تعالى. على النهر وفي بطن الجبل :الخلاوي هي بيوت القرآن التي ابتدعها الشعب السوداني في جميع أنحائه وبامتداد مساحته التي تبلغ 2.5 مليون كيلو متر مربع. وكان أول ظهور لها أثناء حكم الشيخ "عجيب المانجلك" (1570 - 1611م)، وبدأت كحل وسط لسيطرة تيارين دينيين على السودان في هذا الوقت، وهما علماء المذهب المالكي الذين يرفضون تعليم أو صلاة الصبية في المساجد، وشيوخ الصوفية الذين ينزعون إلى الاختلاء بالنفس مع الله بعيدًا عن الناس. فكان أن بنيت الخلاوي كبيوت ملحقة بالمساجد ومنعزلة عنها في بداية الأمر، ثم انتشرت في الأطراف على حواف القرى ملاصقة للنيل أو في بطن الجبل. فبينما تقع خلاوي غرب السودان (في دنقلة وكوستي ودارفور.. وهي مناطق طائفة الأنصار التي يمثلها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي) ملاصقة للنيل؛ تسكن خلاوي شرق السودان وخاصة منطقة همشكورب (الخاضعة لنفوذ شبه مطلق لطائفة الختمية ويمثلها الحزب الاتحادي بزعامة محمد عثمان ميرغني) بطن الجبل. ولا تقتصر الخلاوي على السودانيين فقط فهناك خلاوي للمهاجرين الذين يأتون من أقصى أطراف السودان جنوبه وغربه ومن البلاد المحيطة كالتشاد والصومال وإريتريا وحتى من نيجيريا، وهؤلاء يعتمدون على الصدقات التي تمنح للصبية على أطراف الخلوة. وتعتمد الخلاوي في تمويلها على الأوقاف التي يوقفها أصحابها لخدمة الخلاوي التي عادة ما يطلق أسماء الشيوخ عليها، كما تتلقى تبرعات من أصحاب الخير الذين يؤمنون بدور الخلوة في الحفاظ على كتاب الله في صدور أبناء السودان، كما يساهم أبناء القرى المحيطة بالغلال والحبوب ومنتجات الألبان التي تصل إلى الخلوة كهدايا. وللخلوة أسماء عدة فهي "القرآنية" و"الجامعة" أو "المسيد"، وإن كان اسم الخلوة هو الغالب والأكثر استخدامًا، في حين تطلق "المسيد" على المسجد والخلوة، ودار الضيافة، وسكن الطلبة، ودار المرضى، وديوان الاجتماعيات. وكانت الخلاوي في الماضي قاصرة على تحفيظ القرآن فقط، ولكنها توسعت بعد ذلك في علوم الفقه والحديث والتفسير والسنة فصار بناؤها ينقسم إلى جزأين: الأول لسكنى الطلاب ومعاشهم، والثاني لتلاوة وحفظ القرآن وتلقي علوم الفقه المختلفة. الحياة في الخلاوي :ولا توجد مدد محددة للدراسة بالخلوة، وإن كانت تتراوح في الغالب بين ست وثماني سنوات منذ التحاق الطفل بها، وتقبل الطفل من سن الخامسة وإن كان لا يرفض من تجاوز هذه السن فقد يدخلها من تجاوز الخمسين مثلاً إذا كان راغبًا في حفظ كتاب الله، وعادة ما تسلم الأم ابنها للشيخ قائلة: "أدبه واضربه إن ك** يا مولانا"، وبعد قبول الشيخ له يسلمه "للعريف" وهو مساعده الذي يعلمه القراءة والكتابة، وبمجرد اعتماده على نفسه يعيد تسليمه للشيخ. وللعلامة أحمد علي الإمام وهو من خريجي الخلاوي وابن لصاحب إحدى الخلاوي بحث يروي فيه بعضًا من تفاصيل حفظ القرآن في الخلاوي، ويتحدث فيه كيف يبدأ الطلاب بحفظ القرآن فإذا أتقنوه تفرغوا للعربية وتبحروا في علومها وآدابها التي يعين عليها حفظ القرآن قبل أن يدرسوا العلوم الشرعية. ويهتم المشايخ بتعليم الطلاب ألفية ابن مالك التي تحوي قواعد اللغة بعدما يكون الطفل قد بلغ مرحلة "الشرافة" في القرآن أي حفظ ربع القرآن وما فوق؛ وعندها يلبس ثياب جديدة ويزين لوحه ويخرج في زفة مع أقرانه ليطوف على أهله وجيرانه فرحًا بما أنجز فيعطونه كل بحسب سعته من المال ما يعطيه لشيخه. ويقوم نظام التحفيظ على القراءات السبع المتواترة برواياتها المختلفة وخاصة روايتي حفص عن عاصم وورش عن نافع والأخيرة يعتقد عدد غير قليل من شيوخ الخلاوي أنها رواية أهل الجنة؛ لأن أهل المدينة المنورة يقرءون بها، وقد تأثر أهل السودان في الأخذ بهذه القراءة بشيوخ المغرب الذين وفدوا في القرن التاسع عشر لبلادهم، ومن مفرداتها ترقيق الراء وتغليظ اللام. ويأتي علم التجويد على رأس العلوم التي يتلقاها طلاب الخلاوي بقواعده وأسسه وتعاليمه وهي إخراج كل حرف من مخرجه وإعطاؤه حقه دون تكلف أو تعسف، وحفظ لسان القارئ لكتاب الله من اللحن في لفظه، وهو واجب على كل مسلم بالغ يحفظ القرآن أو جزأً منه. ومن أشهر كتب التجويد التي تدرس في الخلاوي: المقدمة الجزرية، والشاطبية. 
>>>>>>>>>>>>>>>

الخلوة في السودان هي أساس المعرفة والعلم وتنشئة الأجيال، من نزول وحي السماء إلى الأرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى عهدنا الحاضر. فهي المدرسة الأولى التي يلتحق بها طلاب العلم والمعرفة، يتعلّمون فيها القراءة والكتابة، ويحفظون القرآن الكريم، ثم يكون تعلّمهم العلوم الأخرى بعد حفظهم لكتاب الله الكريم، هكذا كانت حال المسلمين إلى وقت قريب.
الخلوة تتبع نظام التعليم الفردي، الذي يمثِّل فيه كل طالب وحدة أو فصلاً قائماً بذاته غير مرتبط بالآخرين في مقدار ما يتحصل عليه من حفظ للقرآن الكريم، أي لا توجد فوارق زمنية (فصل أولى، ثانية، ثالثة)، بل كل طالب يسير قدر طاقته في الاستيعاب والحفظ.
الخلوة تستخدم الطريقة الكلية في التعليم، وذلك ببسط الكل قبل تحليل أجزائه وبعد الإدراك والإحاطة بالمجمل يتم شرح الأجزاء، وهذا يفسر حفظ القرآن الكريم دون شرحه ومعرفة أحكامه في الخلاوى. كما تأخذ بالاقتصاد على تعليم مادة واحدة في الوقت الواحد، وبعد الانتهاء من المادة يتم الانتقال إلى الأخرى، كما أنَّ الخلوة لا تعرف حدّاً لعدد الملتحقين بها كما لا تعرف عدداً من السنوات للبقاء بها.
وتعتمد الخلوة على نظام المعلم الواحد، فالشيخ يمكن أنْ يشرف على عدد من الطلاب قد يصلون إلى المائة بمعاونة المتقدمين من الطلبة في القراءة له في التدريس، حيث يتم توزيع الطلبة الجدد على الطلبة المتقدمين في الدّراسة ليقوموا بتدريس إخوانهم. كما يشرف الشيخ على هؤلاء المتقدمين في الدراسة مع مراقبة قراءة إخوانهم. وهذه الطريقة قد أثبتت نجاحها وأعطت ثماراً طيبة في معرفة المسلمين لحفظ القرآن الكريم طوال القرون السابقة.
وتبدأ القراءة في الخلوة بتدريس الحروف نطقاً وخطاً، والوسائل المستعملة هي: اللوح من الخشب، ونواة التمر، وقلم البوص، ويكتب الطالب على التراب، ويكتب له الشيخ الحروف بنواة التمر على اللوح لكي يتبع أثر النواة ويقلّد كتابة شيخه على اللوح بالمداد الأسود.
شيخ الخلوة يحدّد لكل طالب المقدار الذي يناسبه من الآيات القرآنية ليحفظها حسب ذكائه، وللمشايخ تقسيمات في هذا المجال:
الخَرُوَبة: مقدار من القرآن يساوي 1/16 من الجزء.
الثُمُن: مقدار من القرآن يساوي 1/8 من الحزب، ضعف الخروبة.
المَقْرَة: مقدار من القرآن يساوي 1/4 من الحزب، وتُسمَّى كذلك ربع حزب، وهو ضعف الثمن.
الثلث: مقدار من القرآن يساوي 3/8، أي ثلاثة أثمان الحزب.
مراحل القراءة تتمثّل في الرّمية والمطالعة، فالرّمية هي الإملاء، وذلك بأنْ يُملّئ الشيخ على الطالب الآيات المحدودة، وبدوره يكتبها على لوحه ذلك بعد كتابتها على الأرض، للتأكُّد من صحة الإملاء، وبعد أنْ يتقدّم الطالب في القراءة وتكتمل عنده قواعد الإملاء (الرسم القرآني) ينتقل إلى مرحلة المطالعة، وفي هذه المرحلة يحفظ الطالب ما يريد أنْ يكتبه في اللوح ويسمّعه للشيخ أولاً، ثم بعد ذلك يقوم الطالب بكتابة هذه الآيات على لوحه
>>>>>>>>>>>>>>>>
تعتبر خلاوي تدريس القرآن الكريم بالسودان مؤسسات تعليمية تكافلية رائدة وتنتشر في جميع المناطق ... واشهر تلك الخلاوى , خلاوي الغبش ببربر (شمال السودان) وخلاوي همشكوريب (شرق السودان)  وخلاوي ودالفادنى (وسط السودان) وخلاوي البرعي (غرب السودان).لعبت الخلاوي دورا كبيرا في تحفيظ القرآن وتدريس علومه إضافة إلى تعليم الكتابة والقراءة للمتلقي ورغم ان كل الخلاوي في السودان تتم الدراسة بها بصورة تقليدية جدا إلا أن خلوة الشيخ الصادق خالد (الصائم) ديمة  بامبدة الحارة 15 ضاحية ام درمان عملت على تحديث فكرة الخلوة وذلك بادخال التقنيات الحديثة فى مجال تحفيظ القرآن وذلك بانشاء اكبر مكتبة إلكترونية بالسودان.وتقع مدينة الشيخ خالد الصائم القرآنية فى مساحة 8100 متر مربع بدأ تشييدها فى عام 1995وتشمل مسجداً وخلاوي تحفيظ القرآن وصوالين لاستقبال الضيوف وتكية لاعداد الطعام و سكنا للشيخ وداخليات للطلاب. ومركزاً صحياً (مشروع مستشفى مستقبلا) ويقول الشيخ خالد إن المسجد والذى تبلغ مساحته 495 متراً مربعا له خمس قباب (واحدة كبيرة واربع بحجم اصغر) تفاؤلا بالمسجد النبوي الشريف.وعن الخلاوي يشير الشيخ الصادق خالد بأنها كانت بعدد 12 طالباً في بداية 1995 م وتزايد عددهم حتى وصل الآن الى 600 طالب وهؤلاء مقيمون بصورة دائمة كما يوجد دارسون من الخارج عددهم 100 طالب.وابان ان المسجد يقوم بتدريب الطلاب على بعض المهن الحرفية التى تصحبهم بعد التخرج من الخلاوي، كما يتم الاهتمام بالمرأة لدورها الواضح  في الأسرة والمجتمع وذلك  بإنشاء  خلوة للنساء  بها الآن 170 دارسة وعن التوسعة والمستقبل يقول الشيخ الصادق انه يتم السعي لافتتاح عدد من الفروع الداخلية بولاية الخرطوم والخارجية بولايات السودان المختلفة.اما عن سعيهم إلى تجويد العمل داخل الخلاوي وتطوير طرق التدريس والحفظ ومواكبة للعصر قاموا بالاستعانة بأحدث التقنيات الحديثة ويوجد الان 50 جهاز حاسوب حديث في المكتبة الاكترونية ويمكن لكل الباحثين من خارج وداخل المنطقة الاستفادة منها في مجال البحوث.