التخطي إلى المحتوى الرئيسي

آداب الذكر


آداب الذكر المنفرد:

وينبغي أن يكون الذاكر على أكمل الصفات، فإن كان جالساً في موضع استقبل القِبلة متذللاً متخشعاً بسكينة ووقار، مطرقاً برأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهة في حقه، ولكن إن كان بغير عذر كان تاركاً للأفضل. وينبغي أن يكون الموضع الذي يذكر فيه خالياً نظيفاً، فإنه أعظم في احترام الذكر والمذكور، ولهذا مُدح الذكر في المساجد والمواضع الشريفة. وينبغي أن يكون فمُه نظيفاً، وإن كان به تغيُّرٌ أزاله بالسواك.

إذا كانت هذه النظافة الحسية قد نُدبنا إليها فإن نظافة القلب الذي هو محل نظر الرب تبارك وتعالى أولى بالاعتبار، فلا بد من تنقيته من أدرانه؛ كالحقد والكبر، والبخل والرياء، والعلائق الدنيوية والأغيار والشواغل، حتى يتأهل لمجالسة الحق فلا يزال في الفيض الأقدس مقيماً.

والذكر محبوب في جميع الأحوال، والمراد من الذكر حضور القلب، فينبغي أن يلاحظ الذاكر ذلك ويتدبر معاني ما يذكر.

فإن كان يستغفر فعليه أن يلاحظ بقلبه طلب المغفرة والعفو من الله تعالى، وإن كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فعليه أن يستحضر عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلبه، وإن كان يذكر بالنفي والإثبات وهو “لا إله إلا الله” فعليه أن ينفي كل شاغل يشغله عن الله تعالى. وعلى كلٌّ لا يَترك الذكر باللسان لعدم حضور القلب، بل يذكر الله بلسانه ولو كان غافلاً بقلبه؛ لأن غفلة الإنسان عن الذكر إعراض عن الله بالكلية، وفي وجود الذكر إقبال بوجهٍ ما، وفي شغل اللسان بذكر الله تزيين له بطاعة الله، وفي فقده تعرضٌ لاشتغاله بأنواع المعاصي القولية كالغيبة والنميمة وغيرها

يقول ابن عطاء الله السكندري: (لا تترك الذكر لعدم حضور قلبك مع الله تعالى فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره، أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك [الله] من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غَيْبَةٍ عما سوى المذكور، وما ذلك على الله بعزيز) [“إيقاظ الهمم في شرح الحكم” لابن عجيبة ج1/ص79].

فعلى الإنسان ملازمة الذكر باللسان حتى يفتح القلب، وينتقل الذكر إليه، فيكون من أهل الحضور مع الله تعالى.

--------------------------------------------------------------------------------

آداب الذكر الجهري مع الجماعة:

الذكر الجهري له آداب ثلاثة: آداب سابقة، وآداب مقارنة، وآداب لاحقة، وكل قسم من هذه الثلاثة له ظاهر وباطن.

فظاهر الآداب السابقة:

أن يكون الذاكر طاهر الثوب، طيب الرائحة متوضئاً، نقياً من الحرام كسباً وغذاء.

وباطنها: أن يطهِّر قلبه بالتوبة الصادقة، ويتخلى عن جميع الأمراض القلبية، ويتبرأ من حوله وقوته، ويدخل الحضرة متحققاً بذله وفقره واحتياجه إلى نفحات الله وفضله.

 - وظاهر الآداب المقارنة:

أن يجلس حيث انتهى به المجلس إذا كان الإخوان جلوساً، وإذا كانوا وقوفاً ذكر خلفهم بذكرهم حتى ينتبه له أقربهم ويفسح له ليدخل بينهم، وينتظم في حلقتهم، فإذا أراد أن يخرج لعذر طارىء وصل بين مَنْ على جانبيه بلطف، وخرج حتى لا يقطع عليهما اشتغالهما بالذكر، وأن يكون موافقاً لهم في وضعهم؛ فلا يشذ عنهم بمخالفة، وأن يجتهد في إخفاء صوته في أصواتهم حتى لا يكون مميَّزاً بينهم، وأن يغمض عينيه حتى لا يشغله أحد عن حضور قلبه مع الله تعالى.

وباطنها: أن يجاهد في طرد وساوس الشيطان وهواجس النفس، وأن لا يشغل قلبَه أُمورُ الدنيا، وأن يجتهد في الحضور بقلبه وهمته فيما هو فيه من الذكر وما يَرِدُ عليه من واردات وأحوال، متهيئاً لما يَمنُّ الله به عليه من تجليات إفضاله.

 - وظاهر الآداب اللاحقة:

أن يستمع بعد ذلك لعشر من القرآن الكريم وللمذاكرة العلمية من الشيخ؛ فيسمع بعض النصائح والتوجيهات منه، ويصمت عن الكلام في مختلف الأمور الدنيوية وغيرها ما دام في مكان الذكر، ويمتنع عن الأعمال المنافية للآداب. وبعد الانتهاء من المذاكرة والدعاء يسلم على شيخه وإخوانه إما بالمصافحة أو بتقبيل اليد.