تاريخ التصوف فى السودان من الموضوعات التى تشكل أهمية خاصة للدارسين باعتبار أن أهم أدوات فهم تركيبة المجتمع السودانى المسلم فى شمال السودان هى الطرق الصوفية بحسبان انتشارها وشعبيتها وبساطتها، إضافة الى أن الثقافة الإسلامية فى السودان ملمحها الصوفية التى دخلت الى السودان فى مرحلة باكرة من تاريخ السودان العربى المسلم،وستتناول هذه الورقة البحثية تتناول نشأة الطرق الصوفية فى السودان واهم الطرق التى وجدت سبيل دخولها الى السودان، مع التركيز على الطريقة القادرية التى هى من أكثرها انتشارا وشعبية فى السودان.
نشأة الطرق الصوفية فى السودان:
أزداد الوجود العربى الأسلامى فى الأجزاء الشمالية من السودان وذلك بعد غزو العرب لمصر مع بداية القرن السابع الميلادى بل استطاع العرب الوصول الى السودان ضمن حملة عبد الله بن أبى سرح التى وصلت حتى مدينة دنقلا العجوز عاصمة دولة المقرة المسيحية واكتفت هذه الحملة بتوقيع اتفاقية البقط الشهيرة بين العرب الغزاة والنوبة فى شمال السودان ، هذه الاتفاقية قامت أهم بنودها على احترام حرية العبادة .[1]
وإضافة الى ذلك فقد دخل العرب المسلمين الى السودان عبر البحر الأحمر تحت مسببات ومبررات مختلفة حاملين معهم الدين الاسلامى ، وهنالك روايتين حول تاريخ دخول العرب السودان منها أنهم دخلوا فى القرن التاسع الميلادى وهذا هو الأرجح وأخرى أنهم دخلوا فى القرن الرابع الميلادى، لكن الأهم هو أن العرب بما يحملون دينا جديدا استطاعوا أن يخلقوا تأثيرا اجتماعيا عميقا على السكان المحليين واندمجوا فيهم وأصبح من دواعى الشرف لدى السودانيين الانتساب العربى.
حتى جاءت الفترة التى اكتملت فيها عمليتا التعريب والاسلمة فى السودان الشمالى بقيام دولة الفونج· وسقوط مملكة علوه بعد تخريب عاصمتها سوبا وهى آخر مملكة مسيحية بالسودان فى العام 1505.[2]
ولما كان المسلمون فى عصر فى الفونج يمثلون لأول مره الدولة الإسلامية فى السودان كان لابد من توثيق صلاتهم الثقافية والاجتماعية بالدولة الإسلامية ومن أهم العوامل التى ساعدت فى ذلك موقع السودان الجغرافى الذى يقربه من مصر والحجاز .
وتحت رعاية دولة الفونج وجهت الدعوات لزعماء دينيين من مصر والحجاز لزيارة السودان والإقامة فيه لبعض الوقت وكانوا مكان ترحاب وحفاوة من ملوك دولة الفونج، وارتبطت هذه الرغبة بالحاجة الى مرشدين لتعليم الناس أمور دينهم من فقه وتوحيد وشريعة ، وقد أعطى ذلك الفرصة لرجال الدين والصوفية لدخول السودان من مختلف الأنحاء.
وقد كان معظم العرب المهاجرين من قبل قيام دولة الفونج من الذين ألجأتهم الظروف السياسية الى الفرار بحياتهم من الحجاز ومصر وشمال أفريقيا ، فكان السودان مجـالا رحبا لنشر دعوة جديدة ، وقد ظهـر فى تلك الفترة بوادر التصـوف الفردى القائـم على الزهـد.[3]
وقد توالت الهجرات الصوفية من مصر والحجاز والمغرب عن طريق استدعاء العلماء والفقهاء فقد تطلع ملوك الفونج منذ البداية للأزهر وعلمائه وخاصة الملك بادي المعروف بسيد القوم .[4]
لكن من الضرورى الاشاره الى انه رغم الاهتمام من قبل دولة الفونج بالمراكز الدينية الخارجية مثل الأزهر إلا إن علماء الفقه والتوحيد والشريعة لم يلقوا تلك المكانة الاجتماعية والدينية فى نفوس الناس كتلك التى وجدها شيوخ الطرق الصوفية.
وقد ساعدت الأدوار الاجتماعية والسياسية والدينية والعلمية التى مارسها رجال الطرق الصوفية فى السودان دورا كبيرا فى أن يأخذ التصوف مكانة عظيمة فى نفوس عامة الناس.
ومن المهم الإشارة الى إن السمة العامة للحركة الصوفية فى السودان قبل تأسيس الطرق الصوفية وانتشار الطرق المركزية الكبرى هى التصوف الفردى ، ولقد ظهر هذا التيار من المتصوفة كنزعة زهديه لم تتأثر بطريقة صوفية بعينها وإنما بالبيئة التى عاش فيها المتصوفة إبان عهد الفونج.[5]
لكن هذا التيار الفردى لم يكتب له الاستمرار أعقبة تيار صوفى عملى أصبح مسيطرا على التيار الصوفى حتى عصرنا الحالى يتمثل فى الطرق الصوفية التى تمركزت فى السودان وأصبحت ذات كيان دينى معترف به من قبل السلطة وعامة الناس لأنهم عملوا على تعميق مبادئ الإسلام بطريقة مبسطة وميسرة بإلزام المريدين إتباع منهج تعبدى وخلقى مع الدوامة على الأذكار.[6]
وكان اعتماد المتصوفة فى نجاحهم وسموهم على ما يتمتعون به من علم وخلق دينى وسلطان روحى وكرامات· واعتقاد الناس بان مخالفة الولى·· تعود على الناس باللعنة والخراب وذلك للاعتقاد الجازم فى بركة الشيخ الصوفى مما اكسب شيوخ الصوفية المكانة الروحية والسلطان العظيم لدى عامة الناس.
وإزاء الاحترام والتأييد الذى وجده المتصوفة من عامة الناس والسلطات الحاكمة وجدوا كثيرا من العون المادى والسياسى فاستغلوا تلك المكانة فى دورهم الدينى ووظيفتهم الإرشادية.
وقد انتشرت الطرق الصوفية تحت غطاء الدولة عند نشأتها مما احدث ذلك نوعا من الاندمـاج الروحى الدينى ، وعموما فان العلاقـة بين الحركـة الصوفيـة والدولة أخذت اتجاهيـن: [7]
الأول: وهو الصاعد من الحركة الصوفية الى السلطة السياسية تطلعا لاستقطابها ، وتحفل تراجم كتاب الطبقات بكثير من هذه العلاقات التى تربط الحاكم بالشيخ الصوفى.
الثانى: وهو الاتى من السلطة الحاكمة المتمثلة فى سلاطين وملوك الفونج الذين سعوا فى احتواء شيوخ الصوفية الى الحد الذى كانوا يستشيرون شيوخ الصوفية فى شئون الدولة الكبرى .
بجانب هذه العلاقة بين الصوفية والسلطة الحاكمة نلمح أيضا العلاقة بين المتصوفة والفقهاء فبرغم ذلك الخلاف السائد بينهم على نطاق العالم الاسلامى إلا إننا لم نلمحه بصوره واسعة فى بدايات نشأة الصوفية فى السودان ، فقد قامت العلاقة يبن المتصوفة والفقهاء على دعامتين:[8]
1.النفوذ الروحى الذى كان يمارسه المتصوفة على الملوك.
2.النفوذ الاجتماعى وذلك بالقيام بمصالح المسلمين.
إضافة الى ما سبق فقد جمع المتصوفة بين الفقه والتصوف وكتاب الطبقات يعطينا نماذج لذلك بالشيخ محمود العركى الذى عندما أتى الى السودان وجد الرجل يطلق زوجته وتتزوج بآخر دون إكمال العدة فعلم الناس العدة وفقهم فى دينهم.[9]
وقد لعبت الطرق الصوفية بالسودان دورا هاما ومؤثرا فى الثقافة الإسلامية السائدة فى البلاد ماضيا وحاضرا ، وكانت لها تأثيرات اجتماعية واضحة أبرزها الاندماج الاجتماعى الذى يقوم على أساس الولاء للطريقة وليس النسب ، إضافة الى ما سبق فقد ساهمت الطرق الصوفية فى إنشاء العديد من المدن السودانية فقد كانت الكرامات التى تنسب الى الشيخ والولى تجعل الناس يهاجرون الى مكان اقامتة والتمركز حوله مثال لهذا مدن مثل الدامر فى شمال السودان ، مدنى فو وسط السودان، الابيض غرب السودان....الخ.
ومن أوائل الطرق الصوفية التى استقرت فى السودان:
الطريقة القادرية:
وهى أكثر الطرق انتشارا وشعبية فى السودان قديما وحديثا ، ودخلت الطريقة الى السودان على يد الشيخ تاج الدين البهارى فى بدايات دولة الفونج ، وقد يكون الشيخ البهارى وفد الى السودان وافدا من الحجاز، والظروف التى صاحبت دخوله الى السودان كانت غامضة جدا فى كتاب الطبقات ( السفر الوحيد الذى يؤرخ لتلك المرحلة).
وممن اشتهر قديما ن زعماء هذه الطريقة الشيخ محمد الهميم والشيخ عبد الله العركى والشيخ إدريس ود الأرباب، وحديثا الشيخ عبيد ود بدر والشيخ عبد الله الملقب بأزرق طيبة.
الطريقة السمانية:
تفرعت هذه الطريقة عن القادرية وهى فرع من فروع الشيخ السمانى المدفون بالمدينة المنورة وقد دخلت السودان فى العهود الاخيره من دولة الفونج على يد السيد احمد الطيب ود البشير المتوفى فى العام(1239هـ)[10].
الطريقة الشاذلية:
وتنتسب الى الإمام أبى الحسن الشاذلى الذى انتشرت تعاليمه بمراكش فى القرن الخامس عشر الميلادى على يد أبى عبد الله محمد سليمان الجزولى ، ورسخت تعاليمه فى السودان قبيل عهد دولة الفونج على يد الشيخ خوجلى عبد الرحمن .·
الطريقة التيجانية:
مؤسسها الشيخ احمد التيجانى المدفون بمدينة فأس، وقد استقرت تعاليمها فى السودان فى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى وقد انتشرت فى شمال السودان وبالذات فى مدينة بربر فى أواخر العهد التركى على يد الشيخ احمد مختار[11]. وكذلك انتشرت الطريقة فى دارفور بغرب السودان.
الطريقة الميرغنية:
وتسمى أيضا بالختمية وهى مأخوذة عن النقشبندية والشاذلية معا ، استقرت فى السودان أواخر دولة الفونج على يد السيد محمد عثمان الميرغنى الكبير، واشتهرت فى السودان الشرقى ومنطقة الشايقية فى شمال السودان.[12]. ويجئ أصل الطريقة عن الشيخ احمد بن إدريس ( 1797-1837) والذي كان معلما دينيا بمكة وقد أرسل قبل وفاته تلميذة الميرغنى الى السودان لنشر تعاليم الإسلام ،وهذه الطريقة لقيت رواجا كبيرا فى التاريخ السياسى الحديث للسودان.
ومع نهاية دولة الفونج وبداية العهد التركى المصرى فى السودان(1821) دخل السودان فى مرحلة سياسية جديدة ، ومع هذا العهد دخلت الى السودان العديد من الطرق الصوفية بمساعدة حكام مص لإعطاء الصبغة الدينية للحكم الجديد ولضمان ولاء أهل السودان لمحمد على باشا ، لذلك فقد شجع طرقا صوفية جديدة للوفود من مصر الى السودان كالطريقة السعدية والطريقة الرحمانية والبدوية والدسوقية.[13]
والواقع أن سياسة محمد على فى السودان كانت تقوم على توثيق العلاقات بين مصر والسودان لذلك شجع هذه الطرق للانتشار ظنا منه أن الدعاية الدينية لحكمة أيسر السبل لكسب عواطف السودانيين فحرص منذ الوهلة الأولى أن يصحب الجيش الفاتح للسودان نخبه من علماء مصر كالقاضى محمد الاسيوطى والسيد احمد البقلى والشيخ السلاوى المغربى المالكى.
الطريقة القادرية بالسودان
الطريقة القادرية والتى يطلق عليها أحيانا بالجيلانية من أكثر الطرق الصوفية انتشارا فى العالم الاسلامى.
ومؤسس الطريقة هو الشيخ عبدا لقادر الجيلانى (1077-1166م) ببغداد. وعلى الرغم من أن الطريقة القادرية ترجع فى الأثر الى الشيخ عبدا لقادر الجيلانى إلا أنه لم يثبت ما يشير الى انه من قام بتسميتها بهذا الاسم ولكن من المرجح أن يكون تلاميذه ومريديه هم من أطلق اسم القادرية على الطريقة.[14]
وقد انتشرت الأفكار القادرية فى العالم الاسلامى عن طريق تلاميذه الذى أشهرهم على الإطلاق الشيخ تاج الدين البهارى الذى أسهم فى نشر الطريق القادرية فى السودان .
وأكثر ما يميز الطريقة القادرية هى عدم مركزيـة الطريقـة بمعنى أن زعماء الطرق القادرية فى مختلف الإرجاء لا يدينون بالولاء المباشر لمركز الطريقة بالعراق بل انه حتى على نطاق القطر الواحد لا توجد مركزية للطريقة حيث أن كل فرع للطريقة له استقلاليته الكاملة والمنفردة، وفى ذلك يرى كثير من الباحثين أن لا مركزية الطريقة هى السبب المباشر فى انتشار الطريقة القادرية بصوره واسعة على نطاق العالم الاسلامى.[15]
ووجدت الطريقة القادرية طريقها الى السودان بوفود الشيخ تاج الدين البهارى الى السودان، وكما جاء فى كتاب الطبقات* انه ولد ببغداد وقدم الى السودان عن طريق الحجاز فى النصف الثانى من القرن الرابع عشر الميلادى أول ملك الشيخ عجيب ملك العبدلاب ** ، بدعوة وجهت له من وجهاء وتجار القوم فى ذلك الوقت والذين التقوا به فى الحجاز منهم الشيخ داوود عبد الجليل والذى أقام معه الشيخ تاج الدين فى اربجى*** وتزوج فيها وأقام سبع سنوات فى السودان أول قدومه الى السودان .[16]
ونشط الشيخ تاج الدين البهارى بمجرد قدومه فى تسليك الطريق القادري ولقيت دعوته رواجا كبيرا وأول من تتلمذ على يديه هو الشيخ محمد الأمين عبد الصادق المشهور بالهميم والذى يعتبر مؤسس الطريقة القادرية فى السودان، والذى حظى بمكانة عظيمة لدى عامة الناس ولدى ملوك الفونج حتى انه يقال عندما يدخل ستار عاصمة مملكة الفونج شافعا للناس كانت طلباته تجاب على الفور.[17]
واستطاعت القادرية أن تنتشر فى السودان لبساطة دعوتها ولدعم الدولة لها فى ذلك التاريخ ولعدم مركزيتها حيث انه ما وجد سيخا اشتهر إلا وتحلق الناس حوله وسعوا الى تخليده وإحياء طريقته بعد موته وبمرور الزمن تتضاعف أعدادهم وتسمى الطريقة باسم الشيخ المؤسس والمتوفى.
ويبدو أن الشيخ تاج الدين البهارى أراد أن يكون للطريقة القادرية مركزا موحدا لعموم السودان ويتضح ذلك من قوله: " بأنه جاء من بغداد لأجل هذا الولد خلفته فى مكانى مثل ما بتعاينو لى عاينو ليه"[18]. والولد المعنى هنا هو الشيخ الهميم. إلا أن ذلك لم يتحقق إذ تعددت المراكز القادرية فى السودان المستقلة بذاتها بعيدا عن الشيخ الهميم وأصبح لكل شيخ فرع قادرى ينسب إليه ، ويمكن أن نرجع ذلك الى عديد العوامل منها:
1.عوامل تاريخية تتعلق بالطريقة التى دخلت بها القادرية الى السودان أدت الى خلافات بين المتصوفة أنفسهم إذ أن المكانة الدينية والاجتماعية والسياسية التى وجدها الشيخ الهميم جعلت آخرين يسلكون الطريق القادرى بعد خروج البهارى من السودان على ايدى شيوخ آخرين من تلاميذ الشيخ عبد القادر الجيلانى مثل الشيخ عبدا لله العركى ، مما افقد الطريقة الزعامة الروحية الموحدة.[19]
2. الشعبية التى تتمتع بها الطريقة القادرية من خلال وسائلها الدعوية البسطة غير المعقدة جعلها تنتشر أواسط الناس بكل سهولة.
3.المرونة التى تتمتع بها الطريقة القادرية عما سواها من الطرق الصوفية الأخرى .
4.كل الذين سلكوا الطريق القادرى على يد الشيخ البهارى كانوا من أصحاب السلطة الزمنية والروحية فى المجتمع السودانى ،فالشيخ عجيب كان ملك العبدلاب والشيخ بانقا من الأسرة الحاكمة فى دولة الفونج وهم من أوائل من سلك الطريق القادرى فى السودان بعد الشيخ الهميم ، لذلك كان من الصعب أن يفرض على هؤلاء الانقياد تحت إمرة مركزية للطريقة القادرية لما يتمتعون به من مكانة عظيمة فى مجتمعاتهم.[20]
5.بالإضافة لما سبق هنالك ظروف اقتضت قيام مثل هذه الفروع القادرية بداخل المجتمعات المحلية وذلك للتصدي لنفوذ الطرق التى دخلت السودان فى تاريخ لاحق والتى يطلق عليها اسم طرق الإحياء والتجديد* ‘ وذلك للحد من نفوذ هذه الطرق فى المناطق التى تنتشر فيها الطريقة القادرية مثال ذلك مركز طيبة الشيخ عبد الباقى الذى ير ى الباحثين انه قام للتصدي لنفوذ الطريقة السمانية التى بدأت تنتشر فى الجزيرة**.[21]
6.ضعف البنية المركزية للطريقة القادرية لعدم وجود شيخ مسيطر يكون مرجعية للطريقة القادرية فى كافة السودان كما هو الحال بالنسبة لبعض الطرق الأخرى كالختمية مثلا.
7.السمعة الروحية التى يتمتع بها الشيخ الصوفي ومقدرته على الآتيان بالكرامات التى تجعل الأتباع يلتفون من حوله وخلق مجموعة جديدة داخل الطريقة الأم لا تلبث أن تنمو لتصبح طريقة مرتبطة بالمؤسس الأول.
أهم مراكز الطريقة القادرية فى السودان
مركز الصادقاب:
يعتبر من أوائل الفروع المؤسسة للطريقة القادرية فى السودان ،مؤسسه الشيخ محمد الأمين عبد الصادق بن مالك المشهور بالهميم وهو أول من سلك الطريق القادرى من السودانيين على يد الشيخ تاج الدين البهارى . وسمى بالصادقاب نسبة الى مؤسسة ويوجد مسيد· هذا المركز بالهلالية على الضفة الشرقية للنيل الأزرق بوسط السودان جنوب مدينة الكاملين.
مركز اليعقوباب:
مؤسس هذا الفرع القادرى هو الشيخ بانقا الضرير وهو من تلاميذ الشيخ البهارى وبعض الروايات تذكر انه اخذ الطريق على يد الشيخ الهميم . وسمى بهذا الاسم نسبة الى الشيخ يعقوب بن بانقا الضرير الذى أعلن نفسه خليفة لوالدة دون الاستئذان من الشيخ الهميم فقد كان يرى أن والده كان أحق بخلافة القادرية بعد مغادرة الشيخ البهارى السودان فكان ترك مواصلة الشيخ الهميم التى كان يفعلها والده.[22] هذا الفرع تحول فى تاريخ لاحق فى عهد الشيخ محمد التوم الى الطريقة السمانية[23] ، ويوجد مركز الطريق فى منطقة العمارة المشهورة بعمارة هجو بالقرب من مدينة سنار وسط السودان.
مركز العركيين:
مؤسس الفرع الشيخ عبدا لله العركى الذى اخذ الطريق عن الشيخ حبيب الله العجمي احد تلاميذ الشيخ تاج الدين البهارى بالحجاز، ويذكر كتاب الطبقات أن الشيخ عبد الله العركى كان رافضا لأخذ الطريق من الشيخ الهميم ولحق بالشيخ البهارى فى الحجاز ولكنه وجده توفى فاخذ الطريق عن تلميذه. مركز الطريقة بمنطقة ابوحراز شرق مدينة مدنى على النيل الأزرق.
مركز حسن ود حسونة:
مؤسس هذا الفرع هو حسن ود حسونة ، ويروى عنه انه سلك الطريق القادرى بالخطوة· بمعنى انه لم يسلك الطريق على احد وإنما سلكه بمدد من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وظهرت ولايته فى عهد الشيخ عماره ابوسكيكين.[24]
ولم يستمر هذا الفرع بعد وفاة مؤسسة طويلا ولكن تم إحيائه بعد أن سلك أفراد أسرة الشيخ حسن ود حسونة الطريق القادرى على يد الشيخ العبيد ود بدر.[25]
موقع هذا الفرع هو قرية حسن ود حسونة على بعد 27 كلم من أبى دليق بمنطقة البطانة.
مركز إدريس ود الأرباب:
مؤسسة الشيخ إدريس ود الأرباب ، ويروى انه سلك الطريق القادرى بالخطوة أيضا، ويذكر صاحب الطبقات انه أول من أوقد نار القادرية فى السودان.[26] مركز الفرع يوجد بالعيلفون على النيل الأزرق على بعد 21 ميلا جنوب شرق الخرطوم العاصمة.
فرع البادراب:
مؤسسة الشيخ عبيد ود بدر والمشهور بود ريا " وريا هذه أمه" ، ويعتبر هذا الفرع من الفروع التى نشأت بعد سقوط دولة الفونج على يد الأتراك. مركز الفرع يوجد بمنطقة أم ضوا بان جنوب غرب الخرطوم العاصمة.
مركز الشيخ الكباشى:
مؤسسة الشيخ إبراهيم الأمين الكباشى الذى سلك الطريق القادرى على يد الشيخ طه الأبيض البطحانى.[27]. يقع هذا المركز بمنطقة القبة شمال الخرطوم بحري
مركز طيبه الشيخ عبد الباقى:
مؤسسة الشيخ عبد الباقى العركى وهى احد الفروع التى تكونت من داخل الطريقة العركية فى أواخر عهد دولة الفونج وبدايات الدولة التركية فى السودان، وتعتبر من أهم وأشهر المراكز القادرية فى الوقت الراهن. ويقع مركز الطريقة بمنطقة طيبة على بعد 10 ميل شمال مدينة مدنى .
فرع كدباس:
مؤسسة الشيخ احمد الجعلى وسلك الطريق القادرى على السيد عبد الرحمن الخراساني· ، وهذا يعتبر هذا الفرع من الفروع القادرية القليلة المنتشرة فى شمال السودان ،وما يميزه انه الفرع الوحيد فى السودان الذى لا يرتبط فى تسلسله بالشيخ تاج الدين البهارى. ويقع هذا الفرع فى شمال السودان بمنطقة كدباس غرب مدينة بربر على ضفة نهر النيل.
مركز المكاشفية:
مؤسسة هو الشيخ عبد الباقى المكاشفى الذى سلك الطريق القادرى على يد العركيين ، ويقع مركز الطريقة فى منطقة الشكينيبة بالجزيرة وسط السودان على بعد 8 كلم جنوب مدينة المناقل.
فرع الصائم ديمة:
مؤسسة الشيخ دفع الله العركى المشهور بالصائم ديمه ، وهذا الفرع هو امتداد للطريقة القادرية بطيبة الشيخ عبد الباقى ، وهى من المراكز الحديثة النشأة ، ويقع مركزها فى منطقة امبده بمدينة أم درمان . وهى من الطرق القادرية التى تقع فى منطقة حضرية عكس الطرق الأخرى التى تقع مراكزها فى مناطق ريفية.
مركز صالح ود بانقا:
مؤسسة صالح ود بانقا وهو من سلالة الشيخ بانقا الضرير، يقع مركز الطريقة بمنطقة ود بانقا جنوب مدينة شندى شمال الخرطوم العاصمة.
الخاتمة:
الحركة الصوفية السودانية التى تشكلها الطرق الصوفية استطاعت ومنذ نشأتها أن تؤسس لدور مجتمعى سياسى اقتصادى هام فى المجتمع السودانى ، وبما لديها من نفوذ روحى تمثله بركة الشيخ الصوفى تهيأ لها لعب دور هام فى تاريخ السودان واستمر هذا الدور حتى تاريخنا المعاصر، الأمر الذى جعلها مصدرا لاهتمام الباحثين من مختلف التخصصات فى العلوم الإنسانية، وان كانت هذه الدراسة قد اهتمت بتاريخ النشأة إلا أن هنالك مجالا أرحب لدراستها من الناحية الاجتماعية بالذات بما تقدمه من خدمات صحية واقتصادية واجتماعية.
ويجب الإشارة الى أن مصدر الاهتمام بالطريقة القادرية هنا لا يعنى إغفال أهمية الطرق الصوفية الأخرى فى السودان وخاصة الطرق الى لعبت دورا فى التاريخ المعاصر للسودان.
نشأة الطرق الصوفية فى السودان:
أزداد الوجود العربى الأسلامى فى الأجزاء الشمالية من السودان وذلك بعد غزو العرب لمصر مع بداية القرن السابع الميلادى بل استطاع العرب الوصول الى السودان ضمن حملة عبد الله بن أبى سرح التى وصلت حتى مدينة دنقلا العجوز عاصمة دولة المقرة المسيحية واكتفت هذه الحملة بتوقيع اتفاقية البقط الشهيرة بين العرب الغزاة والنوبة فى شمال السودان ، هذه الاتفاقية قامت أهم بنودها على احترام حرية العبادة .[1]
وإضافة الى ذلك فقد دخل العرب المسلمين الى السودان عبر البحر الأحمر تحت مسببات ومبررات مختلفة حاملين معهم الدين الاسلامى ، وهنالك روايتين حول تاريخ دخول العرب السودان منها أنهم دخلوا فى القرن التاسع الميلادى وهذا هو الأرجح وأخرى أنهم دخلوا فى القرن الرابع الميلادى، لكن الأهم هو أن العرب بما يحملون دينا جديدا استطاعوا أن يخلقوا تأثيرا اجتماعيا عميقا على السكان المحليين واندمجوا فيهم وأصبح من دواعى الشرف لدى السودانيين الانتساب العربى.
حتى جاءت الفترة التى اكتملت فيها عمليتا التعريب والاسلمة فى السودان الشمالى بقيام دولة الفونج· وسقوط مملكة علوه بعد تخريب عاصمتها سوبا وهى آخر مملكة مسيحية بالسودان فى العام 1505.[2]
ولما كان المسلمون فى عصر فى الفونج يمثلون لأول مره الدولة الإسلامية فى السودان كان لابد من توثيق صلاتهم الثقافية والاجتماعية بالدولة الإسلامية ومن أهم العوامل التى ساعدت فى ذلك موقع السودان الجغرافى الذى يقربه من مصر والحجاز .
وتحت رعاية دولة الفونج وجهت الدعوات لزعماء دينيين من مصر والحجاز لزيارة السودان والإقامة فيه لبعض الوقت وكانوا مكان ترحاب وحفاوة من ملوك دولة الفونج، وارتبطت هذه الرغبة بالحاجة الى مرشدين لتعليم الناس أمور دينهم من فقه وتوحيد وشريعة ، وقد أعطى ذلك الفرصة لرجال الدين والصوفية لدخول السودان من مختلف الأنحاء.
وقد كان معظم العرب المهاجرين من قبل قيام دولة الفونج من الذين ألجأتهم الظروف السياسية الى الفرار بحياتهم من الحجاز ومصر وشمال أفريقيا ، فكان السودان مجـالا رحبا لنشر دعوة جديدة ، وقد ظهـر فى تلك الفترة بوادر التصـوف الفردى القائـم على الزهـد.[3]
وقد توالت الهجرات الصوفية من مصر والحجاز والمغرب عن طريق استدعاء العلماء والفقهاء فقد تطلع ملوك الفونج منذ البداية للأزهر وعلمائه وخاصة الملك بادي المعروف بسيد القوم .[4]
لكن من الضرورى الاشاره الى انه رغم الاهتمام من قبل دولة الفونج بالمراكز الدينية الخارجية مثل الأزهر إلا إن علماء الفقه والتوحيد والشريعة لم يلقوا تلك المكانة الاجتماعية والدينية فى نفوس الناس كتلك التى وجدها شيوخ الطرق الصوفية.
وقد ساعدت الأدوار الاجتماعية والسياسية والدينية والعلمية التى مارسها رجال الطرق الصوفية فى السودان دورا كبيرا فى أن يأخذ التصوف مكانة عظيمة فى نفوس عامة الناس.
ومن المهم الإشارة الى إن السمة العامة للحركة الصوفية فى السودان قبل تأسيس الطرق الصوفية وانتشار الطرق المركزية الكبرى هى التصوف الفردى ، ولقد ظهر هذا التيار من المتصوفة كنزعة زهديه لم تتأثر بطريقة صوفية بعينها وإنما بالبيئة التى عاش فيها المتصوفة إبان عهد الفونج.[5]
لكن هذا التيار الفردى لم يكتب له الاستمرار أعقبة تيار صوفى عملى أصبح مسيطرا على التيار الصوفى حتى عصرنا الحالى يتمثل فى الطرق الصوفية التى تمركزت فى السودان وأصبحت ذات كيان دينى معترف به من قبل السلطة وعامة الناس لأنهم عملوا على تعميق مبادئ الإسلام بطريقة مبسطة وميسرة بإلزام المريدين إتباع منهج تعبدى وخلقى مع الدوامة على الأذكار.[6]
وكان اعتماد المتصوفة فى نجاحهم وسموهم على ما يتمتعون به من علم وخلق دينى وسلطان روحى وكرامات· واعتقاد الناس بان مخالفة الولى·· تعود على الناس باللعنة والخراب وذلك للاعتقاد الجازم فى بركة الشيخ الصوفى مما اكسب شيوخ الصوفية المكانة الروحية والسلطان العظيم لدى عامة الناس.
وإزاء الاحترام والتأييد الذى وجده المتصوفة من عامة الناس والسلطات الحاكمة وجدوا كثيرا من العون المادى والسياسى فاستغلوا تلك المكانة فى دورهم الدينى ووظيفتهم الإرشادية.
وقد انتشرت الطرق الصوفية تحت غطاء الدولة عند نشأتها مما احدث ذلك نوعا من الاندمـاج الروحى الدينى ، وعموما فان العلاقـة بين الحركـة الصوفيـة والدولة أخذت اتجاهيـن: [7]
الأول: وهو الصاعد من الحركة الصوفية الى السلطة السياسية تطلعا لاستقطابها ، وتحفل تراجم كتاب الطبقات بكثير من هذه العلاقات التى تربط الحاكم بالشيخ الصوفى.
الثانى: وهو الاتى من السلطة الحاكمة المتمثلة فى سلاطين وملوك الفونج الذين سعوا فى احتواء شيوخ الصوفية الى الحد الذى كانوا يستشيرون شيوخ الصوفية فى شئون الدولة الكبرى .
بجانب هذه العلاقة بين الصوفية والسلطة الحاكمة نلمح أيضا العلاقة بين المتصوفة والفقهاء فبرغم ذلك الخلاف السائد بينهم على نطاق العالم الاسلامى إلا إننا لم نلمحه بصوره واسعة فى بدايات نشأة الصوفية فى السودان ، فقد قامت العلاقة يبن المتصوفة والفقهاء على دعامتين:[8]
1.النفوذ الروحى الذى كان يمارسه المتصوفة على الملوك.
2.النفوذ الاجتماعى وذلك بالقيام بمصالح المسلمين.
إضافة الى ما سبق فقد جمع المتصوفة بين الفقه والتصوف وكتاب الطبقات يعطينا نماذج لذلك بالشيخ محمود العركى الذى عندما أتى الى السودان وجد الرجل يطلق زوجته وتتزوج بآخر دون إكمال العدة فعلم الناس العدة وفقهم فى دينهم.[9]
وقد لعبت الطرق الصوفية بالسودان دورا هاما ومؤثرا فى الثقافة الإسلامية السائدة فى البلاد ماضيا وحاضرا ، وكانت لها تأثيرات اجتماعية واضحة أبرزها الاندماج الاجتماعى الذى يقوم على أساس الولاء للطريقة وليس النسب ، إضافة الى ما سبق فقد ساهمت الطرق الصوفية فى إنشاء العديد من المدن السودانية فقد كانت الكرامات التى تنسب الى الشيخ والولى تجعل الناس يهاجرون الى مكان اقامتة والتمركز حوله مثال لهذا مدن مثل الدامر فى شمال السودان ، مدنى فو وسط السودان، الابيض غرب السودان....الخ.
ومن أوائل الطرق الصوفية التى استقرت فى السودان:
الطريقة القادرية:
وهى أكثر الطرق انتشارا وشعبية فى السودان قديما وحديثا ، ودخلت الطريقة الى السودان على يد الشيخ تاج الدين البهارى فى بدايات دولة الفونج ، وقد يكون الشيخ البهارى وفد الى السودان وافدا من الحجاز، والظروف التى صاحبت دخوله الى السودان كانت غامضة جدا فى كتاب الطبقات ( السفر الوحيد الذى يؤرخ لتلك المرحلة).
وممن اشتهر قديما ن زعماء هذه الطريقة الشيخ محمد الهميم والشيخ عبد الله العركى والشيخ إدريس ود الأرباب، وحديثا الشيخ عبيد ود بدر والشيخ عبد الله الملقب بأزرق طيبة.
الطريقة السمانية:
تفرعت هذه الطريقة عن القادرية وهى فرع من فروع الشيخ السمانى المدفون بالمدينة المنورة وقد دخلت السودان فى العهود الاخيره من دولة الفونج على يد السيد احمد الطيب ود البشير المتوفى فى العام(1239هـ)[10].
الطريقة الشاذلية:
وتنتسب الى الإمام أبى الحسن الشاذلى الذى انتشرت تعاليمه بمراكش فى القرن الخامس عشر الميلادى على يد أبى عبد الله محمد سليمان الجزولى ، ورسخت تعاليمه فى السودان قبيل عهد دولة الفونج على يد الشيخ خوجلى عبد الرحمن .·
الطريقة التيجانية:
مؤسسها الشيخ احمد التيجانى المدفون بمدينة فأس، وقد استقرت تعاليمها فى السودان فى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى وقد انتشرت فى شمال السودان وبالذات فى مدينة بربر فى أواخر العهد التركى على يد الشيخ احمد مختار[11]. وكذلك انتشرت الطريقة فى دارفور بغرب السودان.
الطريقة الميرغنية:
وتسمى أيضا بالختمية وهى مأخوذة عن النقشبندية والشاذلية معا ، استقرت فى السودان أواخر دولة الفونج على يد السيد محمد عثمان الميرغنى الكبير، واشتهرت فى السودان الشرقى ومنطقة الشايقية فى شمال السودان.[12]. ويجئ أصل الطريقة عن الشيخ احمد بن إدريس ( 1797-1837) والذي كان معلما دينيا بمكة وقد أرسل قبل وفاته تلميذة الميرغنى الى السودان لنشر تعاليم الإسلام ،وهذه الطريقة لقيت رواجا كبيرا فى التاريخ السياسى الحديث للسودان.
ومع نهاية دولة الفونج وبداية العهد التركى المصرى فى السودان(1821) دخل السودان فى مرحلة سياسية جديدة ، ومع هذا العهد دخلت الى السودان العديد من الطرق الصوفية بمساعدة حكام مص لإعطاء الصبغة الدينية للحكم الجديد ولضمان ولاء أهل السودان لمحمد على باشا ، لذلك فقد شجع طرقا صوفية جديدة للوفود من مصر الى السودان كالطريقة السعدية والطريقة الرحمانية والبدوية والدسوقية.[13]
والواقع أن سياسة محمد على فى السودان كانت تقوم على توثيق العلاقات بين مصر والسودان لذلك شجع هذه الطرق للانتشار ظنا منه أن الدعاية الدينية لحكمة أيسر السبل لكسب عواطف السودانيين فحرص منذ الوهلة الأولى أن يصحب الجيش الفاتح للسودان نخبه من علماء مصر كالقاضى محمد الاسيوطى والسيد احمد البقلى والشيخ السلاوى المغربى المالكى.
الطريقة القادرية بالسودان
الطريقة القادرية والتى يطلق عليها أحيانا بالجيلانية من أكثر الطرق الصوفية انتشارا فى العالم الاسلامى.
ومؤسس الطريقة هو الشيخ عبدا لقادر الجيلانى (1077-1166م) ببغداد. وعلى الرغم من أن الطريقة القادرية ترجع فى الأثر الى الشيخ عبدا لقادر الجيلانى إلا أنه لم يثبت ما يشير الى انه من قام بتسميتها بهذا الاسم ولكن من المرجح أن يكون تلاميذه ومريديه هم من أطلق اسم القادرية على الطريقة.[14]
وقد انتشرت الأفكار القادرية فى العالم الاسلامى عن طريق تلاميذه الذى أشهرهم على الإطلاق الشيخ تاج الدين البهارى الذى أسهم فى نشر الطريق القادرية فى السودان .
وأكثر ما يميز الطريقة القادرية هى عدم مركزيـة الطريقـة بمعنى أن زعماء الطرق القادرية فى مختلف الإرجاء لا يدينون بالولاء المباشر لمركز الطريقة بالعراق بل انه حتى على نطاق القطر الواحد لا توجد مركزية للطريقة حيث أن كل فرع للطريقة له استقلاليته الكاملة والمنفردة، وفى ذلك يرى كثير من الباحثين أن لا مركزية الطريقة هى السبب المباشر فى انتشار الطريقة القادرية بصوره واسعة على نطاق العالم الاسلامى.[15]
ووجدت الطريقة القادرية طريقها الى السودان بوفود الشيخ تاج الدين البهارى الى السودان، وكما جاء فى كتاب الطبقات* انه ولد ببغداد وقدم الى السودان عن طريق الحجاز فى النصف الثانى من القرن الرابع عشر الميلادى أول ملك الشيخ عجيب ملك العبدلاب ** ، بدعوة وجهت له من وجهاء وتجار القوم فى ذلك الوقت والذين التقوا به فى الحجاز منهم الشيخ داوود عبد الجليل والذى أقام معه الشيخ تاج الدين فى اربجى*** وتزوج فيها وأقام سبع سنوات فى السودان أول قدومه الى السودان .[16]
ونشط الشيخ تاج الدين البهارى بمجرد قدومه فى تسليك الطريق القادري ولقيت دعوته رواجا كبيرا وأول من تتلمذ على يديه هو الشيخ محمد الأمين عبد الصادق المشهور بالهميم والذى يعتبر مؤسس الطريقة القادرية فى السودان، والذى حظى بمكانة عظيمة لدى عامة الناس ولدى ملوك الفونج حتى انه يقال عندما يدخل ستار عاصمة مملكة الفونج شافعا للناس كانت طلباته تجاب على الفور.[17]
واستطاعت القادرية أن تنتشر فى السودان لبساطة دعوتها ولدعم الدولة لها فى ذلك التاريخ ولعدم مركزيتها حيث انه ما وجد سيخا اشتهر إلا وتحلق الناس حوله وسعوا الى تخليده وإحياء طريقته بعد موته وبمرور الزمن تتضاعف أعدادهم وتسمى الطريقة باسم الشيخ المؤسس والمتوفى.
ويبدو أن الشيخ تاج الدين البهارى أراد أن يكون للطريقة القادرية مركزا موحدا لعموم السودان ويتضح ذلك من قوله: " بأنه جاء من بغداد لأجل هذا الولد خلفته فى مكانى مثل ما بتعاينو لى عاينو ليه"[18]. والولد المعنى هنا هو الشيخ الهميم. إلا أن ذلك لم يتحقق إذ تعددت المراكز القادرية فى السودان المستقلة بذاتها بعيدا عن الشيخ الهميم وأصبح لكل شيخ فرع قادرى ينسب إليه ، ويمكن أن نرجع ذلك الى عديد العوامل منها:
1.عوامل تاريخية تتعلق بالطريقة التى دخلت بها القادرية الى السودان أدت الى خلافات بين المتصوفة أنفسهم إذ أن المكانة الدينية والاجتماعية والسياسية التى وجدها الشيخ الهميم جعلت آخرين يسلكون الطريق القادرى بعد خروج البهارى من السودان على ايدى شيوخ آخرين من تلاميذ الشيخ عبد القادر الجيلانى مثل الشيخ عبدا لله العركى ، مما افقد الطريقة الزعامة الروحية الموحدة.[19]
2. الشعبية التى تتمتع بها الطريقة القادرية من خلال وسائلها الدعوية البسطة غير المعقدة جعلها تنتشر أواسط الناس بكل سهولة.
3.المرونة التى تتمتع بها الطريقة القادرية عما سواها من الطرق الصوفية الأخرى .
4.كل الذين سلكوا الطريق القادرى على يد الشيخ البهارى كانوا من أصحاب السلطة الزمنية والروحية فى المجتمع السودانى ،فالشيخ عجيب كان ملك العبدلاب والشيخ بانقا من الأسرة الحاكمة فى دولة الفونج وهم من أوائل من سلك الطريق القادرى فى السودان بعد الشيخ الهميم ، لذلك كان من الصعب أن يفرض على هؤلاء الانقياد تحت إمرة مركزية للطريقة القادرية لما يتمتعون به من مكانة عظيمة فى مجتمعاتهم.[20]
5.بالإضافة لما سبق هنالك ظروف اقتضت قيام مثل هذه الفروع القادرية بداخل المجتمعات المحلية وذلك للتصدي لنفوذ الطرق التى دخلت السودان فى تاريخ لاحق والتى يطلق عليها اسم طرق الإحياء والتجديد* ‘ وذلك للحد من نفوذ هذه الطرق فى المناطق التى تنتشر فيها الطريقة القادرية مثال ذلك مركز طيبة الشيخ عبد الباقى الذى ير ى الباحثين انه قام للتصدي لنفوذ الطريقة السمانية التى بدأت تنتشر فى الجزيرة**.[21]
6.ضعف البنية المركزية للطريقة القادرية لعدم وجود شيخ مسيطر يكون مرجعية للطريقة القادرية فى كافة السودان كما هو الحال بالنسبة لبعض الطرق الأخرى كالختمية مثلا.
7.السمعة الروحية التى يتمتع بها الشيخ الصوفي ومقدرته على الآتيان بالكرامات التى تجعل الأتباع يلتفون من حوله وخلق مجموعة جديدة داخل الطريقة الأم لا تلبث أن تنمو لتصبح طريقة مرتبطة بالمؤسس الأول.
أهم مراكز الطريقة القادرية فى السودان
مركز الصادقاب:
يعتبر من أوائل الفروع المؤسسة للطريقة القادرية فى السودان ،مؤسسه الشيخ محمد الأمين عبد الصادق بن مالك المشهور بالهميم وهو أول من سلك الطريق القادرى من السودانيين على يد الشيخ تاج الدين البهارى . وسمى بالصادقاب نسبة الى مؤسسة ويوجد مسيد· هذا المركز بالهلالية على الضفة الشرقية للنيل الأزرق بوسط السودان جنوب مدينة الكاملين.
مركز اليعقوباب:
مؤسس هذا الفرع القادرى هو الشيخ بانقا الضرير وهو من تلاميذ الشيخ البهارى وبعض الروايات تذكر انه اخذ الطريق على يد الشيخ الهميم . وسمى بهذا الاسم نسبة الى الشيخ يعقوب بن بانقا الضرير الذى أعلن نفسه خليفة لوالدة دون الاستئذان من الشيخ الهميم فقد كان يرى أن والده كان أحق بخلافة القادرية بعد مغادرة الشيخ البهارى السودان فكان ترك مواصلة الشيخ الهميم التى كان يفعلها والده.[22] هذا الفرع تحول فى تاريخ لاحق فى عهد الشيخ محمد التوم الى الطريقة السمانية[23] ، ويوجد مركز الطريق فى منطقة العمارة المشهورة بعمارة هجو بالقرب من مدينة سنار وسط السودان.
مركز العركيين:
مؤسس الفرع الشيخ عبدا لله العركى الذى اخذ الطريق عن الشيخ حبيب الله العجمي احد تلاميذ الشيخ تاج الدين البهارى بالحجاز، ويذكر كتاب الطبقات أن الشيخ عبد الله العركى كان رافضا لأخذ الطريق من الشيخ الهميم ولحق بالشيخ البهارى فى الحجاز ولكنه وجده توفى فاخذ الطريق عن تلميذه. مركز الطريقة بمنطقة ابوحراز شرق مدينة مدنى على النيل الأزرق.
مركز حسن ود حسونة:
مؤسس هذا الفرع هو حسن ود حسونة ، ويروى عنه انه سلك الطريق القادرى بالخطوة· بمعنى انه لم يسلك الطريق على احد وإنما سلكه بمدد من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وظهرت ولايته فى عهد الشيخ عماره ابوسكيكين.[24]
ولم يستمر هذا الفرع بعد وفاة مؤسسة طويلا ولكن تم إحيائه بعد أن سلك أفراد أسرة الشيخ حسن ود حسونة الطريق القادرى على يد الشيخ العبيد ود بدر.[25]
موقع هذا الفرع هو قرية حسن ود حسونة على بعد 27 كلم من أبى دليق بمنطقة البطانة.
مركز إدريس ود الأرباب:
مؤسسة الشيخ إدريس ود الأرباب ، ويروى انه سلك الطريق القادرى بالخطوة أيضا، ويذكر صاحب الطبقات انه أول من أوقد نار القادرية فى السودان.[26] مركز الفرع يوجد بالعيلفون على النيل الأزرق على بعد 21 ميلا جنوب شرق الخرطوم العاصمة.
فرع البادراب:
مؤسسة الشيخ عبيد ود بدر والمشهور بود ريا " وريا هذه أمه" ، ويعتبر هذا الفرع من الفروع التى نشأت بعد سقوط دولة الفونج على يد الأتراك. مركز الفرع يوجد بمنطقة أم ضوا بان جنوب غرب الخرطوم العاصمة.
مركز الشيخ الكباشى:
مؤسسة الشيخ إبراهيم الأمين الكباشى الذى سلك الطريق القادرى على يد الشيخ طه الأبيض البطحانى.[27]. يقع هذا المركز بمنطقة القبة شمال الخرطوم بحري
مركز طيبه الشيخ عبد الباقى:
مؤسسة الشيخ عبد الباقى العركى وهى احد الفروع التى تكونت من داخل الطريقة العركية فى أواخر عهد دولة الفونج وبدايات الدولة التركية فى السودان، وتعتبر من أهم وأشهر المراكز القادرية فى الوقت الراهن. ويقع مركز الطريقة بمنطقة طيبة على بعد 10 ميل شمال مدينة مدنى .
فرع كدباس:
مؤسسة الشيخ احمد الجعلى وسلك الطريق القادرى على السيد عبد الرحمن الخراساني· ، وهذا يعتبر هذا الفرع من الفروع القادرية القليلة المنتشرة فى شمال السودان ،وما يميزه انه الفرع الوحيد فى السودان الذى لا يرتبط فى تسلسله بالشيخ تاج الدين البهارى. ويقع هذا الفرع فى شمال السودان بمنطقة كدباس غرب مدينة بربر على ضفة نهر النيل.
مركز المكاشفية:
مؤسسة هو الشيخ عبد الباقى المكاشفى الذى سلك الطريق القادرى على يد العركيين ، ويقع مركز الطريقة فى منطقة الشكينيبة بالجزيرة وسط السودان على بعد 8 كلم جنوب مدينة المناقل.
فرع الصائم ديمة:
مؤسسة الشيخ دفع الله العركى المشهور بالصائم ديمه ، وهذا الفرع هو امتداد للطريقة القادرية بطيبة الشيخ عبد الباقى ، وهى من المراكز الحديثة النشأة ، ويقع مركزها فى منطقة امبده بمدينة أم درمان . وهى من الطرق القادرية التى تقع فى منطقة حضرية عكس الطرق الأخرى التى تقع مراكزها فى مناطق ريفية.
مركز صالح ود بانقا:
مؤسسة صالح ود بانقا وهو من سلالة الشيخ بانقا الضرير، يقع مركز الطريقة بمنطقة ود بانقا جنوب مدينة شندى شمال الخرطوم العاصمة.
الخاتمة:
الحركة الصوفية السودانية التى تشكلها الطرق الصوفية استطاعت ومنذ نشأتها أن تؤسس لدور مجتمعى سياسى اقتصادى هام فى المجتمع السودانى ، وبما لديها من نفوذ روحى تمثله بركة الشيخ الصوفى تهيأ لها لعب دور هام فى تاريخ السودان واستمر هذا الدور حتى تاريخنا المعاصر، الأمر الذى جعلها مصدرا لاهتمام الباحثين من مختلف التخصصات فى العلوم الإنسانية، وان كانت هذه الدراسة قد اهتمت بتاريخ النشأة إلا أن هنالك مجالا أرحب لدراستها من الناحية الاجتماعية بالذات بما تقدمه من خدمات صحية واقتصادية واجتماعية.
ويجب الإشارة الى أن مصدر الاهتمام بالطريقة القادرية هنا لا يعنى إغفال أهمية الطرق الصوفية الأخرى فى السودان وخاصة الطرق الى لعبت دورا فى التاريخ المعاصر للسودان.