إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ ، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.
أيها الأخوة الأحباب: نلتقى وإياكم فى هذه اللحظات الإيمانية المباركة حول التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ، فكلنا أصحاب ذنوب ومعاصى ، والله تبارك وتعالى هو الغفور الرحيم ، يغفر سبحانه وتعالى لعبده ذنوبه ومعاصيه إذا تاب توبة صادقة ،
فتعالوا بنا أيها الأخوة الأحباب لنعرف كيف نتوب ونرجع إلى الله؟
أولاً: فضل التوبة فى القرآن والسنة:
إن المتأمل والمتدبر فى آيات القرآن الكريم يجد أن المولى سبحانه وتعالى قد أمر عباده بالتوبة والإنابة والرجوع إليه إذا وقعوا فى المعاصى واقترفوا الذنوب والآثام فإنه سبحانه يغفرها للعبد إذا تاب توبة صادقة فى آيات كثيرة من كتابه العزيز.
قال تعالى:(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(سورة الزمر: الآية : 53).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر(تفسير ابن كثير : جـ4صـ71).
وقال عز وجل:(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)( سورة النور: الآية : 31).
قال الإمام القرطبى رحمه الله:والمعنى: وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى ، فلا تتركوا التوبة في كل حال(الجامع لأحكام القرآن : جـ12صـ238).
وقال سبحانه:(أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(سورة المائدة : الآية : 74).
ودعا الله عز وجل الناس جميعاً إلى التوبة الصادقة والعودة إليه سبحانه حتى المشركين دعاهم إلى التوبة فقال سبحانه:(فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)( سورة التوبة : الآية : 11).
وقال سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(سورة التحريم:الآية: 8).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: أي توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه.
وسئل عمر عن التوبة النصوح فقال: أن يتوب الرجل من العمل السيئ ثم لا يعود إليه أبداً(تفسير ابن كثير: جـ4صـ391 وما بعدها).
وجاءت أحاديث كثيرة فى سنة النبى صلى الله عليه وسلم يأمرنا فيها صلى الله عليه وسلم بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله منها:
أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التوبة والاستغفار: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)(رواه البخارى).
وعن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة)(رواه مسلم).
ففى هذين الحديثين: دليل على وجوب التوبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها فقال: يا أيها الناس توبوا إلى الله.
فإذا تاب الإنسان إلى ربه حصل بذلك فائدتين: الفائدة الأولى: امتثال أمر الله ورسوله وفي امتثال أمر الله ورسوله كل خير فعلى امتثال أمر الله ورسوله تدور السعادة في الدنيا والآخرة ، والفائدة الثانية: الاقتداء برسول الله، حيث كان صلى الله عليه وسلم يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة يعني يقول أتوب إلى الله أتوب إلى الله (شرح رياض الصالحين : لابن عثيمين جـ1صـ98).
أن الله عز وجل يفرح بتوبة حين يتوب ويرجع إليه:عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فآيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد آيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال- من شدة الفرح- اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح)(رواه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: فرح الله تعالى هو رضاه.
وقال الإمام المازرى رحمه الله : الفرح ينقسم على وجوه منها: السرور والسرور يقاربه الرضا بالمسرور به ، قال: فالمراد هنا أن الله تعالى يرضى توبة عبده أشد مما يرضى واجد ضالته بالفلاة فعبر عن الرضا بالفرح تأكيداً لمعنى الرضا فى نفس السامع ومبالغة فى تقريره(شرح صحيح مسلم للنووي: جـ17صـ61).
وبين الله عز وجل أنه مهما كثرت ذنوب العبد فإنه يغفرها له إذا استغفر وتاب : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (3540)).
أن باب التوبة مفتوح فى كل وقت بالليل والنهار: وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)(رواه مسلم).
قال المازري رحمه الله : المراد قبول التوبة وإنما ورد لفظ بسط اليد لأن العرب إذا رضي أحدهم الشئ بسط يده لقبوله وإذا كرهه قبضها فخوطبوا بأمر حسي يفهمونه(الديباج على مسلم : جـ6صـ103).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه)(رواه مسلم).
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم)(رواه مسلم).
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعدون له في المجلس الواحد قبل أن يقوم: (رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الغفور مائة مرة)( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (3434)).
قال سعيد بن المسيب: أنزل قوله تعالى:( إنه كان للأوابين غفورا) في الرجل يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب.
وقال الفضيل: قال الله تعالى: بشر المذنبين بأنهم إن تابوا قبلت منهم وحذر الصديقين أنى إن وضعت عليهم على عذبتهم.
وقال طلق بن حبيب: إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العبد ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : من ذكر خطيئة ألم بها فوجل منها قلبه محيت عنه في أم الكتاب.
وقال عمر رضي الله عنه: اجلسوا إلى التوابين فإنهم أرق أفئدة.
وقال بعضهم: أنا أعلم متى يغفر الله لي قيل: ومتى؟ قال :إذا تاب علي(إحياء علوم الدين : جـ4صـ14 وما بعدها).
ثانياً: التوبة النصوح وشروط قبولها:
ما هي التوبة النصوح؟؟قيل النصح في التوبة: هو تخليصها من كل غشٍ ونقصٍ، وفساد.
وقال الحسن البصري رحمه الله:هي أن يكون العبد نادماً على ما مضى، مجمعاً على ألا يعود فيه.
وقال الكلبي: أن يستغفر باللسان، ويندم بالقلب، ويمسك بالبدن.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء:
الأول: تعميم جميع الذنوب واستغراقها، بحيث لا تدع ذنباً إلا تناولته.
الثانى: إجماع العزم والصدق بكليته عليها، بحيث لا يبقى عنده تردد. ولا تلوم ولا انتظار، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادراً بها.
الثالث: تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها، ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته، والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده، لا كمن يتوب لحفظ حاجته وحرمته ومنصبه.
وقال ذو النون المصرى رحمه الله:التوبة النصوح : أن تضيق عليك الأرض بما رحبت حتى لا يكون لك قرار، ثم تضيق عليك نفسك كما أخبر الله تعالى في كتابه:(وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)( سورة التوبة: الآية118).
وقال الجنيد رحمه الله: التوبة على ثلاثة أركان:الندم على ما فات، والعزم على ترك المعاودة لما نهى الله عنه، والسعي في أداء المظالم.
وقال عبد الله بن المبارك : حقيقة التوبة لها ست علامات : أولها : الندم على ما مضى .
والثانية : العزم على أن لا تعود ، والثالثة : أن تعمد إلى كل فرض ضيعته فتؤديه .
والرابعة : أن تعمد إلى مظالم العباد ، فتؤدّى إلى كل ذى حق حقه .
والخامسة : أن تعمد إلى البدن الذى ربيتهُ بالسحت والحرام فتذيبه بالهموم والأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم ، ثم تنشىء بينهما لحمًا طيبًا إن هو نشأ ، والسادسة : أن تذيق البدن ألم الطاعة كما أذقته لذة المعصية .
وقال ميمون ابن مهران عن ابن عباس رضى الله عنهما : كم تائب يرد يوم القيامة يظن أنه تائب وليس بتائب ، لأنه لم يحكم أبواب التوبة .
وقال عبد الله بن سُميط : ما دام قلب العبد مصراّ على ذنبٍ واحد ، فعمله معلق فى الهواء ، فإن تاب من ذلك الذنب وإلا بقىّ عمله أبدًا معلقًا(شرح صحيح البخارى: لابن بطال جـ10 صـ81).
وقال أبو بكر الواسطى: التوبة النصوح: أن لا يبقى على صاحبها أثر من المعصية سراً ولا جهراً ومن كانت توبته نصوحاً لا يبالي كيف أمسى ولا كيف أصبح.
وقال ابن عطاء الله : التوبة توبتان: توبة الإنابة وتوبة الاستجابة، فتوبة الإنابة أن يتوب العبد خوفاً من عقوبته، وتوبة الاستجابة أن يتوب حياءً من كرمه سبحانه.
وقال محمد بن كعب القرظي: التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيء الإخوان.
وقال أبو على الدقاق: التوبة على ثلاثة أقسام: أولها: التوبة، وأوسطها: الإنابة، وآخرها: الأوبة ، فالتوبة بداية، والإنابة واسطة، والأوبة نهاية فكأن من تاب لخوف العقوبة كان صاحب توبة، ومن تاب طمعاً في الثواب أو رهبة من العقاب كان صاحب إنابة، ومن تاب مراعاة لأمر لا لرغبة في الثواب أو رهبة من العقاب كان صاحب أوبة.
وقال سهل بن عبد الله التستري: التوبة تبديل الحركات المذمومة بالحركات المحمودة ولا يتم ذلك إلا بالخلوة والصمت وأكل الحلال.
وقال أيضاً: التوبة ترك التسويف.
ثالثاً: شروط التوبة :
قال الإمام النووي رحمه الله:قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي، فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية.
والثاني: أن يندم على فعلها.
والثالث: أن يعزم ألا يعود إليها أبداً، فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة:هذه الثلاثة وأن يبرأ من صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه وإن كانت غيبةً استحله منها. ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي.
ويزاد على هذه الشروط أن تكون في زمن تقبل فيه التوبة فإن تاب في زمن لا تقبل فيه التوبة لم تنفعه التوبة وذلك على نوعين:
النوع الأول: باعتبار كل إنسان بحسبه.
والنوع الثاني: باعتبار العموم: أما الأول: فلابد أن تكون التوبة قبل حلول الأجل يعني الموت، فإن كانت بعد حلول الأجل فإنها لا تنفع التائب لقول الله سبحانه: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)( سورة النساء:الآية : 18) هؤلاء ليس لهم توبة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (3537).
أي: ما لم تصل الروح الحلقوم، فإذا وصلت الروح الحلقوم فلا توبة.
النوع الثاني: وهو العموم فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن: (الهجرة لا تنقطع حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) فإذا طلعت الشمس من مغربها لم تنفع أحداً توبة.
قال الله سبحانه:( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ)( سورة الأنعام : الآية : 158 ) ، وهذا البعض هو طلوع الشمس من مغربها كما فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم(شرح رياض الصالحين: للشيخ محمد صالح العثيمين جـ1 صـ62-67).
رابعاً:فوائد التوبة:
إن للتوبة فوائد كثيرة لا نستطيع أن نكتبها أو أن نحيط بها، لكن حسبنا أن نستشعر أن من هذه الفوائد ما يلي:
1- التوبة سبب لمحبة الله جل وعلا:
قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )( سورة البقرة : الآية : 222 ).
2- التوبة سبب للخروج من دائرة الظالمين:
قال تعالى: (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (سورة الحجرات : الآية : 11).
3-التوبة طاعة لأمر الله عز وجل :
قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)( سورة النور : الآية : 31 ).
4- التوبة سبب لمحو الذنوب:
عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)( أخرجه ابن ماجة فى سننه وحسنه الألبانى فى صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم (4326)).
5- التوبة سبب للفلاح في الدنيا والآخرة:
قال تعالى: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ) (سورة القصص : الآية : 67) ، وقال تعالى: (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) (سورة مريم : الآية : 60).
6- التوبة تبدل السيئات إلى حسنات:
قال تعالى: (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)( سورة الفرقان : الآية : 79).
7- التوبة سبب في الرزق والقوة:
قال تعالى عن لسان نبيه نوح عليه السلام:( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) (سورة نوح : الآيات : 10- 12).
8- التوبة تجعل العبد يهرب من العذاب والوحشة إلى الأنس والرحمة:
قال تعالى:(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) (سورة الداريات : الآية : 50).
9- التوبة سبب في الحياة الهادئة المطمئنة:
قال تعالى:(وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ)( سورة هود : الآية : 3).
10- التوبة تطهر قلب التائب:
أخرج الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه وهو الران الذي ذكر الله تعالى: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)( سورة المطففين : الآية : 14)( أخرجه الترمذي فى سننه وحسنه الألبانى فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (3334)).
اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا يارب العالمين ، اللهم تب علينا توبة نصوحاً ترضى بها عنا يارب العالمين ، واحفظنا من كل سوء اللهم آمين.
للدفاع عن التصوف والصوفية بالسودان