التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خصال الطريقة القادرية وشرحها

خصال الطريقة القادرية وشرحها جاء فيكتاب فتوح الغيب للشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه في المقالة الخامسة والسبعون التصوف ليس أخذ عن القيل والقال ولكن أخذ عن الجوع وقطع المألوفاتوالمستحسنات ولا تبدأ الفقير بالعلم وابدأه بالرفق فإن العلم يوحشه والرفق يؤنسه والتصوف مبنيٌ على ثمان خصال : الســخاء : لسيدنا إبراهيم عليه السلام والرضـا : لإسحاق عليه السلام والصـبر : لأيوب عليه السلام
والإشارة : لزكريا عليه السلام والغـربة : ليحيى عليه السلام والتصوف: لموسى عليهالسلام والسياحة : لعيسى عليه السلام والفـقــر : لسيدنا ونبينا محمد صلىالله عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وآل كل وصحب كل وسلم وقد أسس الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه طريقته القادرية على هذه الخصال العظيمة وكي نسهلها على السالكين في هذه الطريقة قمنا بشرحها وبيانها وهذا هو شرحها السخاء وهو لسيدنا إبراهيم عليه السلام روى الهندي في كنز العمال والعجلوني في كشف الخفاء عن الجواهر المجموعة في النوادر المسموعة للسخاوي رحمه الله عن عمر رضي الله عنه إن الله بعث جبريل إلى إبراهيم: إني لم أتخذ خليلا على أنك عبد من عبادي، ولكن اطلعت على قلوب المؤمنين فلم أجد قلبا أسخى من قلبك. ‏سخا: السَّخاوة والسَّخاءُ: الجُودُ. والسَّخِيُّ: الجَوَادُ، والجمع أسْخِياء وسُخَواءُ؛ وامرأَة سَخيَّة من نِسْوة سَخِيّاتٍ وسَخايا، وقد سَخا يَسْخى ويَسْخُو سخاءً. جاء في تحفة الأحوذي للمباركفوري السخاء:وهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وبذلك ما يقتنى بغير عوض، وهو من جملة محاسن الأخلاق بل هو من أعظمها،وهو خلاف البخل. وورد في كنز العمال عن علي قال: قيل له ما السخاء؟ فقال: ما كان منه ابتداء فأما ما كان عن مسألة فحياء وتكرم وجاء في الحديث الشريف السخاء شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدليات في الدنيا، فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة. والبخل شجرة من أشجار النار أغصانها متدليات في الدنيا، فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى النار رواه الدارقطني في الأفراد والبيهقي في شعب الإيمان عن علي ابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة أبو نعيم في الحلية عن جابر الخطيب في التاريخ عن أبي سعيد ابن عساكر عن أنس والديلمي في مسند الفردوس عن معاويةوصححه السيوطي وقال: حسن وجاء في فيض القدير(السخاء) قال ابن العربي: وهو لين النفس بالعطاء وسعة القلب للمواساة (شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة والبخل شجرة من شجر النار أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن من أغصانها قاده ذلك الغصن إلى النار) يعني أن السخاء يدل على كرم النفس وتصديق الإيمان بالاعتماد في الخلق على من ضمن الرزق وهو على كل شيء قدير فمن أخذ بهذا الأصل وعقد طويته عليه فقد استمسك بالعروة الوثقى الجاذبة له إلى ديار الأبرار والبخل يدل على ضعف الإيمان وعدم الوثوق بضمان الرحمن وذلك جاذب إلى الخسران وقائد إلى دار الهوان وقيل: ومن أقبح ما في البخيل أنه يعيش عيش الفقراء ويحاسب محاسبة الأغنياء وقيل: البخل جلباب المسكنة والبخيل ليس له خليل. تنبيه سخاء العوام سخاء النفس ببذل الموجود وسخاء الخواص سخاء النفس عن كل موجود ومفقود غني بالواحد المعبود فلما سخي بالأشياء وعنها اعتماداً على مولاه اكتنفه فمتى عثر في مهلكة تولاه وجاء في كشف الخفاء للعجلوني :ما جبل ولي الله إلا على السخاء وحسن الخلقرواه الديلمي عن عائشة مرفوعا بسند ضعيف، ورواه الدارقطني في الأجواد وأبو الشيخ وابن عدي، لكن ليس عند أولهم وحسن الخلق،ومن شواهده ما رفعه أنس أن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بصوم ولا صلاة ولكن برحمة الله وسخاء الأنفس والرحمة للمسلمين ، ونحوه عن أبي سعيد، وفي كتاب الجواهر المجموعة عن عمر رفعه: إن الله بعث جبريل إلى إبراهيم: إني لم أتخذ خليلا على أنك عبد من عبادي، ولكن اطلعت على قلوب المؤمنين فلم أجد قلبا أسخى من قلبك.‏ وروى الهندي في كنز العمال عن ابن النجار عن ابن عباس (السخاء خلق الله الأعظم)وروى عن أنس قال: أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إن الله قد اختار لكم الإسلام دينا فأحسنوا صحبة الإسلام بالسخاء وحسن الخلق، ألا إن السخاء شجرة من الجنة وأغصانها في الدنيا فمن كان منكم سخيا لا يزال متعلقا بغصن منها حتى يورده الله الجنة ألا إن اللؤم شجرة في النار وأغصانها في الدنيا فمن كان منكم لئيما لا يزال متعلقا بغصن من أغصانها حتى يورده الله النار، قال مرتين: السخاء في الله، السخاء في الله. وروى الطبراني عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله استخلص هذا الدين لنفسه فلا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق ألا فزينوا دينكم بهما". أخي السالك : من خلال ما مر من أحاديث وآثار عن السخاء عرفنا ما هي مرتبة السخاء في الدين الإسلامي فهو من أعظم الخلق وهو من صفات الله عز وجل وهو من صفات النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أخلاق الأولياء والصالحين والعارفين بالله فإن أردت أن تكون من جملتهم فلا بد لك أن تتحلى بهذا الخلق العظيم الذي يرتقي بك إلى أعلى المقامات ويرفع إلى أعلى الدرجات فعليك به ولا تتركه أبداً ولتكن أنت ونفسك ومما تملك لله ليس لك من الأمر شيء ولو رجعت إلى سيرة الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه لرأيت العجب العجاب فقد كان آية بالسخاء فقد عاش حياتك كلها في سبيل الله كان يجود بما يملك من مال للفقراء والمساكين وكان يطعم الطعام وينفق على المحتاجين في كل وقت وحين وكان يصنع الموائد الكبار ويجمع عليها الفقراء والمساكين وكان يجلس معهم وداره ومدرسته مفتوحة ليلاً ونهاراً لمن يقصدها من عابري السبيل وما بات ليلة وفي بيته درهم أو دينار وقد جاءه احد تلاميذه وقد رآه في المنام ويده فيها فتحة في راحتها فسأله عن هذه الرؤية فقال له يا بني والله ما نمت ليلة وفي درهم أو دينار . فكلما يأتيه من رزق لا يبيت حتى ينفقه في سبيل الله وهذا كان حال المصطفى صلى الله عليه وسلم كان أجود من الريح المرسلة يجود بكل ما يملك وكان يستدين لينفق في سبيل الله تعالى وكذلك الصحابة الكرام رضوان الله عليهم . وكان الشيخ رضي الله عنه يجود بكل وقته وبكل جهده في خدمة هذا الدين والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي تعلم العلم وتعليمه وإذا جن الليل عليه جاد بنفسه وجوارحه وجعلها بين يدي ربها تقوم وتقرأ وتذكر فكان كله لله فإن وفقك الله واتبعت منهج هذا الشيخ العظيم فكن كما كان هو وما يملك لربه جل وعلا فلذلك وصل إلى ما وصل عليه وكان بحق سلطان الأولياء والعارفين فرضي الله عنه وأمدنا بمدده ونفعنا ببركته وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين الرضا وهو لسيدنا إسحاق عليه السلام الرضا، يقال: رضي يرضى رضا ومرضاة . والرضا هو القبول والتسليم مع الفرح وهو ضد السخط والغضب والمقصود الرضا بما قسم الله لك من رزق ومن تقدير ومن قوت والرضا عن الله في المصائب والنوائب والرضا عن ما أعطاك الله في هذه الدنيا من مال وجاه وسيادة ووجاهة والرضا في البلواء والنعماء . فالرضا أن تكون راض عن كل ما يصيبك من الله وتعلم حقيقة أنك عبد من عباد الله خلقك وبقدرته وله وحده التصرف فيك دون أن يسأل عما يفعل فإن شاء عذبك وإن شاء رحمك. إن شاء أغناك وإن شاء أفقرك. إن شاء أعطاك وإن شاء منعك . إن شاء أعزك وإن شاء أذلك . إن شاء رفعك وإن شاء وضعك والرضا أن تكون في كل هذه الأحوال راضياً ومسلماً وفرحاً بمراد الله واختياره لك . وعلامة الرضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات . والرضا هو من أركان الإيمان التي لا يصلح الإيمان إلا به . والرضا هو من أفضل الأخلاق والصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان المسلم وكما جاء في الجامع الصغير للسيوطي رحمه الله تعالى : ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب سريع الرضا، وشر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضا ، وكما قال بن عطاء الله السكندري رحمه الله : الرضا هو باب الله الأعظم وجنة الدنيا وهو مستراح العارفين . والرضا يكون عند المصائب والنوائب والبلايا هنا يظهر الرضا عن الله وهنا تظهر حقيقة الإيمان فالمؤمن الحق يعلم أن الله عندما ابتلاه فإنه أحبه ولولا محبته لما ابتلاه وكما جاء في الحديث الذي يرويه الترمذي عن انس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ولقد وردت آثار كثيرة جداً في الرضا أكثر من أن نحصيها ولكن نذكر بعضها : روى ابن حبان عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث يدرك بهن العبد رغائب الدنيا والآخرة: الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، والدعاء في الرخاء روى البزار عن ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :خمس من الإيمان؛ من لم يكن فيه شيء منهن فلا إيمان له: التسليم لأمر الله، والرضا بقضاء الله، والتفويض إلى الله؛ والتوكل على الله، والصبر عند الصدمة الأولى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : اللهم رضني بقضاءك . وجاء في كتاب الغنية للشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه : وأما الرضا فالأصل فيه قول الله عز وجل ( رضي الله عنهم ورضوا عنه)وقال : الراضي هو الذي لا يعترض على تقدير الله عز وجل والرضا على أنواع وهي: · أن ترضى بالله رباً وبالإِسلام دِيناً، وبمُحَمَّدٍ صلى اللّه عليه وسلم رَسُولاً وهذا مطلوب من كل مسلم يشهد ألا إله إلا الله وان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لم يرضى بهذا فقد كفر · أن ترضى بالقدر خيره وشره وهو من أساسيات الإيمان ولا يكتمل الإيمان إلا به . كما جاء في حديث جبريل المشهور في صحيح مسلم فكان من الحديث : قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ!. قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِالله، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخر، وَتُؤْمنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ" ويدخل في هذا أن ترضى بالنوائب من موت ومرض وسقم ونقص وفقر وقلة وتسلم لله وتفرح ولا تجزع ولا تسخط ولا تغضب وان ترضى بالنعم وتشكر الله عليه · الرضا بالدون بين الناس كالجلوس في المجالس والدون بين إخوتك في حضرة شيخك ولو أردنا أن نتكلم في الرضا لما وسعتنا عشرات الصفحات ولكن نكتفي بهذا القدر في بيان الرضا الصـبر لسيدنا أيوب عليه السلام والصبر معروف لا يحتاج لمن يتكلم عنه فهو من شعب الإيمان وهو من علامات الإيمان وقد أمر الله الأنبياء والمرسلين به وكما جاء في الحديث الصبر هو الإيمان كله وورد أيضاً أن الإيمان شطران الصبر شطر والشكر شطر ولو أردنا أن نسرد الأحاديث والأخبار الواردة في الصبر لما وسعتنا عشرات الصفحات ولكن نكتفي بذكر أنواع الصبر التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم الصوفي الحق وهي: · الصبر على الطاعات : بأن يجاهد نفسه ويرغمها على التمسك بمنهج الله تعالى والتمسك بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام والتحلي بالآداب والأخلاق الفضيلة وكل ما أمر الله به في الكتاب والسنة ولا يتركها مهما كانت صعبة وثقيلة على النفس وكما ورد ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) · الصبر عن المعاصي : بأن يجاهد نفسه ويرغمها على الابتعاد عن كل ما نهى الله عنه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم . ولا يقترب من حدود الله تعالى · الصبر على مخالطة الناس وتحمل أذاهم : بأن يصاحب الناس بالمعروف والخلق الحسن كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اتق الله حيثما كنت وخالق الناس بخلق حسن واتبع السيئة الحسنة تمحها ) وكما أمر الله تعالى ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) وقال تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) · الصبر على قضاء الله تعالى : أن يصبر على ما حل به من قضاء الله تعالى من مصائب ونوائب وكرب وهموم من موت وغرق وحرق وأمراض وكل مصائب الدنيا . وليعلم أن الله ليس بظلام للعبيد وأنه إذا أحب عبداً ابتلاه وهو الله لا إله إلا هو الحي القيوم أرحم منك بنفسك وأرحم بك من أمك وأبيك · الصبر على الفقر: أن يعلم أن الدنيا إنما هي دار امتحان وأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة وانه لن ياخذ منها شيء إلا العمل الصالح وإذا رأى الأغنياء يقول لهم في الدنيا ولنا في الآخرة . ولا ينبغي أن تؤثر القلة على دينه أو يصيبه بها تقصير عن واجباته وكما قال سيدي عبد القادر الجيلاني : الفقير الصابر خير من الغني الشاكر والفقير الصابر الشاكر خير منهما · الصبر على طلب العلم والتصوف : أن يبذل كل جهده في تحصيل العلم الشرعي وعلم التصوف بالمجاهدة والمصابرة دون أن يمل أو يكل فإن الصابرون يوفون أجورهم بغير حساب الإشارة وهي لسيدنا زكريا عليه السلام والمقصود بها الدعوة والإرشاد . والإشارة تأتي بمعنى الدلالة والتبيان في اللغة أشار إلى الشيء أي دل عليه وقد أوكل الله إرشاد مريم إلى زكريا وكفلها بها. فلذلك من شان الصوفي إن يكون آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر أينما وجد يشير للناس إلى طريق الله القويم ويدلهم عليه. فيكون فيه الخير أين ما وجد وأينما حل فيكون كالمطر للأرض الجدباء . وكالقمر يضيء للناس في ظلمة الليل وكالنجوم يعرف الناس من خلالها طريقهم الصحيح . والدعوة إلى الله تعالى هي من أفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم لربه جل في علاه . كيف لا وهي عمل الأنبياء والمرسلين وقد قال الله في حق هذه الأمة ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )) وبهذا نالت أمتنا الشرف دون الأمم السابقة بقيامها بعمل الأنبياء والمرسلين وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعليّ رضي اللّه عنه:فَو َاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ" وفي رواية خير لك مما طلعت عليه الشمس وفي رواية أخرى خير لك من الدنيا وما فيها. وقد سجل التاريخ سيرة الإمام الجيلاني رضي الله عنه بخطوط من ذهب وكيف أنه كان من أنشط وأعظم رجال الدعوة في تاريخ هذه الأمة وقد بين هذا الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه رجال الفكر والدعوة وكذلك بين ذلك الشيخ ماجد عرسان الكيلاني في كتابه هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس . فلذلك من سلك منهج التصوف فعليه أن يكون داعياً إلى الله آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وينبغي أن يتحقق فيه قول الشاعر : لله قــــوم إذا حلــوا بمنزلة حل السرور وسار الجود إن ساروا تحيا بهم كــل أرض ينزلون بها كأنهم في بقاع الأرض أمطــاروا ونــورهم يهتدي الساري لرؤيته كأنهم في ظـــلام الليل أقماروا وتشتهي العين منهم منظـراً حسناً كأنهم في أعين الناس أزهــاروا هكذا عرف التصوف وهكذا كان الصوفية . وهكذا انتشر الإسلام في أصقاع الأرض. فالصوفي ينبغي أن يكون كالأترجة طعمه حلو وريحه حلو. أما أن يكون المتصوف كسولاً خاملاً . فهذا ليس من التصوف في شيء . الغربة وهي لسيدنا يحيى عليه السلام ومن معاني الغربة ما جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إِنّ الدّينَ بَدَأَ غَرِيباً وَيَرْجِعُ غَرِيباً فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَتِي ،وفي رواية أن الصحابة قالوا: يا رسول الله وما الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، ولا يمارون في دين الله، ولا يكفرون أحدا من أهل التوحيد بالذنب فالغرباء هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة ويحيون ما أمات الناس منها وقيل الغرباء هم الذين يهاجرون إلى الله بكليتهم فيكون حالهم كله لله ومع الله وفي سبيل الله . وقيل هم المسلمين في أوله وآخره الذين يتحملون أذى الناس وهذه الصفات كلها ينبغي أن يتحلى بها الصوفي الحق أن يتمسك بالسنة النبوية ولا يتركها لا سيما في آخر الزمان الذي أمات فيه الناس السنة وأحيوا البدعة ويبنغي أن يهاجر إلى الله تعالى بقلبه وبنفسه وإن لزم الأمر هاجر من أرضه إن عدم فيها الخير إلا إذا كان قادراً على الإصلاح والإرشاد والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . أما إن عجز عن ذلك فقد وجبت عليه الهجرة . والغريب الحق هو الذي يعيش بباطنه زاهداً في الدنيا وشهواتها ومشتاقاً للآخرة ونعيمها لأنه هي موطنه الأصلي وهي دار القرار ودار المقامة مع الأخيار. ويعيش في الدنيا ولا يطمع منها بأكثر من حاجته لها يكتفي بما يبلغه سفره وعودته إلى وطنه الأصلي فهو كعبد أرسله سيده في حاجة فهو إما غريب أو عابر سبيل فحقه أن يبادر لقضائها ثم يعود إلى وطنه وهذا أصل عظيم في قصر الأمل وأن لا يتخذ الدنيا وطناً وسكناً بل يكون فيها على جناح سفر مهيأ للرحيل وقد اتفقت على ذلك وصايا جميع الأمم وفيه حث على الزهد والإعراض عن الدنيا والغريب المجتهد في الوصول إلى وطنه لا بدّ له من مركب وزاد ورفقاء وطريق يسلكها فالمركب نفسه ولا بدّ من رياضة المركوب ليستقيم للراكب والزاد التقوى والرفقاء الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والصراط المستقيم وإذا سلك الطريق لم يزل خائفاً من القطاع الذين يقطعون عليه طريقه فهذا هو حال أهل الله تعالى .وصدق الذي قال ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحــد والكفن سفــري بعيد وزادي لن يبلغني وساعتي قربت والموت يطلبنـي وفي الختام فالموطن الأصلي لنا هو القبر والدار الآخرة وما نحن في الدنيا إلا عابري سبيل وكذلك ينبغي أن يشعر الإنسان بغربته في الدنيا والغريب دائما يحن إلى وطنه وينبغي أن يحن الصوفي ويشتاق إلى العودة لوطنه ولقاء الأحبة كذلك يحن الصوفي الصادق للقاء ربه فلا راحة للمؤمن إلا بلقاء ربه كما جاء في الحديث الشريف فالمؤمن الصادق دائما يشتاق للقاء الله . ويعبر عنها عند الصوفية بالخلوات والمجاهدات والانقطاع عن الخلق والاعتكاف للعبادة كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء كان يشعر بالغربة في مكة المكرمة التي تعبد الأصنام وتعيش في الشرك والوثنية فكان يتغرب عنها إلى غار حراء لينقطع إلى ربه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين لبس الصوف وهو لسيدنا موسى عليه السلام وليس المقصود الصوف بعينه بل المقصود الحقيقي الرضا بالبسيط من الثياب والزهد في الثياب الفاخرة وأسوتنا في ذلك رسول الله وأصحابه من بعده وذكر الصوف هنا لأننا لو رجعنا إلى تاريخنا لم يكن هناك هذه الأنواع من القماش كان هناك الحرير والقطن والصوف هذه أشهر الأقمشة ولم تكن تصنع بهذه الجودة الموجودة الآن فكان الأكابر والأغنياء يلبسون الحرير والقطن وأفضل الألبسة والفقراء لا يجدون إلا الصوف فزهد العلماء والصالحون بلباس أهل الدنيا ولبسوا الصوف والصوف هو أرخص الثياب ونحن لا نطالب الآن بلبس الصوف لا البس ما شئت ولكن تواضع وليكن لباسك لستر العورة وعملا بالفطرة وأجتنب التفاخر والتكبر على الناس. والغاية من لبس الصوف أو الرخيص من الثياب هو التواضع لله تعالى والتذلل له والتواضع للفقراء والمساكين . وعدم التكبر عليهم ولا الظهور بالعظمة أمامهم . وقد يقول البعض معترضاً على هذا الكلام : إن الله يحب أن يرى نعمته على خلقه. وإن الله لم يأمر بهذا وأمرنا بالزينة وأكل الطيبات . نعم صحيح ولكن لم ينهانا عن التقشف ولو رجعنا إلى تاريخ أمتنا وبالذات حياة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأصحابه الكرام كيف كان لباسهم وكيف كانت حياتهم. لقد زهدوا في الدنيا ورضوا بالقليل منها مع أنهم كانوا قادرين على أن يتنعموا من نعيم الدنيا بما شاءوا . ولكنهم آثروا نعيم الآخرة فقد أثر الحصير بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة . فمن أراد الخير والهدى والنور تتبع خطاهم وتقفى أثرهم السياحة وهي لسيدنا عيسى عليه السلام والمقصود منها السفر والتنقل والتجوال سعيا وراء العلم والعلماء والأولياء لكسب العلم والعمل وللتأدب وكسب الأخلاق ونشر الخير بين الناس والخروج في سبيل الله تعالى . فالسياحة كانت من شأن الأنبياء والمرسلين والعلماء العاملين والدعاة المخلصين . فكان سيدنا عيسى عليه السلام يسيح في البلاد داعياً إلى الله ناشراً لدينه ولهذا سمي بالمسيح . وكذلك نبي الله موسى عليه السلام فقد ساح مع الخضر عليه السلام في رحلة عظيمة جاءت بنص قرآني ليتعلم منه ما علمه الله . وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يسوح في مكة المكرمة وسافر إلى الطائف ثم هاجر إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. أما الصحابة رضي الله عنهم فكان لهم شأن عظيم فقد كان في حجة الوداع مئة وعشرون ألفاً عندما سمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية . انتشروا في مشارق الأرض ومغاربها مبلغين دين الله وقبورهم التي تنتشر في أصقاع الأرض تشهد لهم بهذا. والسياحة من شأن علماء الأمة كالشافعي احمد بن حنبل البخاري الترمذي الغزالي .والكثير من العلماء والتصوف هو من اجل العلوم كما بينا في مقالات التصوف في الموقع لذا ينبغي أن يسيح المتصوف ويسافر بحثا عن هذا العلم الشريف ليأخذه من رجاله الثقات الذين تنورت قلوبهم بهذا العلم الشريف العظيم . وعلى رأسهم إمامنا وشيخنا الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه فقد هاجر من جيلان إلى بغداد بحثاً عن هذا العلم وبحثاً عن العلم الشرعي وبقي يسيح في بغداد وعلى ضفاف دجلة بضع سنين حتى فتح الله عليه فتصدر بعد ذلك للدعوة والإرشاد . وصفحات التاريخ مليئة بالصفحات المشرقة من حياة الأولياء والصالحين والعلماء العاملين ورحم الله الشافعي الذي بين فوائد السفر بقوله المشهور تغرَّبْ على اسمِ اللّهِ والتمسِ الغنى وسافرْ، ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ تـفريــجُ هـمٍ واكتسابُ معيشةٍ وعـلمٌ وآدابٌ ورِفْقةُ ماجـــدِ فإن قيلَ في الأسفارِ ذُلٌ وغـربةٌ وتشتيتُ شَمْلٍ وارتكاب شـدائدِ فللموتُ خـيرٌ للفتــى مُقامــهِ بدارِ هـوانٍ بين ضِدٍ وحــاسدِ الفقروهو لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كلمة فقير هي مصطلح عند الصوفية تطلق على الصوفي وسمي الفقير لفقره إلى الله وكلنا فقراء إلى الله . لكن هناك من لم يشعر ويحس بفقره إلى الله حقيقة بل يعيش معتمدا على نفسه يظن انه هو الذي يسير نفسه كما حدث مع قارون. والصوفي مداره كله حول فقره إلى الله ومحبته ورضاه فسمي الفقير وكذلك لفقرهم وعزوفهم عن الدنيا. أكلهم فاقة ونومهم غلبة فالمقصود ليس الفقر مادة وهذه الخصلة إنما أخذت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اختار الفقر وقد عرضت عليه خزائن الأرض. والمعنى عليم بصاحب حسن وأخ صالح أو شيخ مرشد لا غنى لك عن واحد منهما ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) وكذلك من معاني الفقر أن لا ينشغل بجمع المال والدنيا بل يأخذ من المال ما يكفيه لقضاء حوائجه وحوائج عياله ومالا بقي لله نحن وما نملك لله وما هذا المال إلا أمانة استودعها الله عندنا فنحن فقراء لا نملك شيئا ومن المعاني أيضا أن يكون الصوفي فقيرا لا يملك من أمره شيئا الأمر كله لله والفقير هو الذي لا يملك والصوفي ينبغي أن لا يملك من أمره شيئا بل يسلم أمره لله . وعيه أيضاً بصحبة الفقراء والمساكين وان يتواضع لهم . ويخفض جناحه لهم . وهذا كان حال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمره الله أن يكون معهم فقال الله تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) وكان سيدنا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه يحب الفقراء والمساكين ويولم لهم الطعام ويجلس معهم وكان إذا دخل عليه فقير قام واستقبله على الباب وقضى حاجته وفرج كربته وكانوا يجلسون بمجلسه وهذا هو شأن الصالحين فمن أراد أن يكون منهم فعليه بمنهجهم وطريقهم الذي يوصله لباب الحضرة الإلهية . نسأل الله أن يجعلنا من الفقراء إليه والحمد لله رب العالمين