( قال العلامة الشيخ علي حرازم ابن العربي برادة المغربي الفاسي رحمه الله في خاتمة كتابه ( جواهر المعاني في فيض سيدي ابي العباس التيجاني)
سألته رضي الله عنه عن بيان اهداء الثواب له صلى الله عليه وسلم فأجاب رضي الله عنه بقوله
اعلم أنه صلى الله عليه وسلم غني عن جميع الخلق جملة وتفصيلا فردا فردا وعن صلاتهم عليه واهدائهم ثواب الأعمال له صلى الله عليه وسلم بربه أولا وبما منحه من سبوغ فضله وكمال طوله
فهو في ذلك عند ربه صلى الله عليه في غاية لا يمكن وصول غيره إليها ولا يطلب معها من غيره زيادة أو إفادة يشهد لذلك قوله سبحانه وتعالى [ولسوف يعطيك ربك فترضى] وهذا العطاء وإن ورد من الحق بهذه الصفة السهلة المأخذ القريبة المحتد فإن لها غاية لا تدرك العقول أصغرها فضلا عن الغاية التي هي أكبرها فإن الحق سبحانه وتعالى يعطيه من فضله على قدر سعة ربوبيته ويفيض على مرتبته صلى الله عليه وسلم على قدر حظوته ومكانته عنده وما ظنك بعطاء يرد من مرتبة لا غاية لها وعظمته على قدر وسعها أيضا فكيف يقدر هذا العطاء وكيف تحمل العقول سعته ولهذا قال سبحانه وتعالى [ وكان فضل الله عليك عظيما]
وأقل مراتبه في غناه صلى الله عليه وسلم أنه من لدن بعثته إلى قيام الساعة كل عامل يعمل لله ممن دخل في طوق رسالته صلى الله عليه وسلم يكون له مثل ثواب عمله بالغا ما بلغ فليس يحتاج مع هذه المرتبة إلى زيادة بهذا الثواب لما فيها من كمال الغنى الذي لا حد له وهذه أصغر مراتب غناه صلى الله عليه وسلم فكيف بما وراءه من الفيض الأكبر والفضل الأعظم الأخطر الذي لا تطيق حمله عقول الأقطاب فضلا عمن دونهم
وإذا عرفت هذا فاعلم أنه ليست له حاجة إلى صلاة المصلين عليه صلى الله عليه وسلم ولا شرعت لهم ليحصل له النفع بها صلى الله عليه وسلم وليست له حاجة إلى اهداء الثواب ممن يهدي له ثواب الأعمال وما مثل المهدي له في هذا الباب ثواب العمل متوهما أنه يريده به صلى الله عليه وسلم أو يحصل له به نفعا إلا كمن رمى نقطة قلم في بحر طوله مسيرة عشر مائة ألف عام وعرضه كذلك وعمقه كذلك متوهما أنه يمد هذا البحر بتلك النقطة ويزيده فأي حاجة لهذا البحر بهذه النقطة وما عسى أن تزيد فيه
وإذا عرفت رتبة غناه صلى الله عليه وسلم وحظوته عند ربه فاعلم أن أمر الله للعباد بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ليعرفهم علو مقداره عنده وشفوف مرتبته لديه وعلو اصطفائه على جميع خلقه ليخبرهم أنه لا يقبل العمل من عامل إلا بالتوسل إلى الله به صلى الله عليه وسلم فمن طلب القرب من الله تعالى والتوجه إليه دون التوسل به صلى الله عليه وسلم معرضا عن كريم جنابه ومدبرا عن تشريع خطابه كان مستوجبا من الله السخط والغضب وغاية اللعن والطرد والبعد وضل سعيه وخسر عمله ولا وسيلة إلى الله إلا به صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وامتثال شرعه
فإذا فالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فيها تعريف لنا بعلو مقداره عند ربه وفيها تعليم لنا بالتوسل به صلى الله عليه وسلم في جميع التوجهات والمطالب لا غير هذا ممن توهم النفع له صلى الله عليه وسلم لم ذكرناه سابقا من كمال الغنى. وأما اهداء الثواب له صلى الله عليه وسلم فتعقل ما ذكرنا من الغنى أولا ثم تعقل مثالا آخر يضرب لاهداء الثواب له صلى الله عليه وسلم بملك عظيم المملكة ضخم السلطنة قد أوتي في مملكته من كل متمول خزائن لا حد لعددها كل خزانة عرضها وطولها من السماء إلى الأرض مملوءة كل خزانة على هذا القدر ياقوتا أو ذهبا أو فضة أو زروعا أو غيرها من المتمولات ثم قدر فقيرا لا يملك مثلا غير خبزتين من دنياه فسمع بالملك واشتد حبه وتعظيمه له في قلبه فأهدى لهذا الملك إحدى الخبزتين معظما له ومحبا والملك متسع الكرم فلا شك أن الخبزة لا تقع منه ببال لما هو فيه من الغنى الذي لا حد له فوجودها عنده وعدمها على حد سواء ثم الملك لاتساع كرمه علم فقر الفقير وغاية جهده وعلم صدق حبه وتعظيمه في قلبه وأنه ما أهدى له الخبزة إلا لأجل ذلك ولو قدرعلى أكثر من ذلك لأهداه له فالملك يظهر الفرح والسرور بذلك الفقير وبهديته لأجل تعظيمه له وصدق حبه لا لأجل انتفاعه بالخبزة ويثيب على تلك الخبزة بما لا يقدر قدره من العطاء لأجل صدق المحبة والتعظيم لا لأجل النفع بالخبزة
وعلى هذا التقدير وضرب المثل قدر اهداء الثواب له صلى الله عليه وسلم وأما غناه عنه صلى الله عليه وسلم فقد تقدم ذكره في ضرب المثل بعظمة البحر المذكور أولا وامداده بنقطة القلم وأما اثابته صلى الله عليه وسلم فقد ذكر المثل له باهداء الخبزة للملك المذكور والسلام . انتهى من إملائه رضي الله عنه
انتهت عبارة ( جواهر المعاني من كلام سيدي ابي العباس التيجاني ) رضي الله عنه ونفعنا ببركته )
ــــــ
النبهاني في : سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين صلى الله عليه وآله وسلم
للدفاع عن التصوف والصوفية بالسودان