التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دور العلماء في كردفان في نشر الطريقة التجانية



ينقسم علماء كردفان والذين ساهموا في نشر الطريقة التجانية إلى نوعين على هذا النحو :
  
- نوع أثر فى مدينة الأبيض وعلى المناطق الحضرية في أجزاء أخرى من كردفان
- نوع أثر فى المناطق الريفية وعلى البادية.
 
أولا : التأثير فى المناطق الحضرية : 
قام علماء كردفان بدور مهم في نشر الطريقة التجانية ومن أبرزهم الشيخ موسى عبدالمجيد الزين الحرافي وكان ميلاده عام 1905 بقرية " الزريقة القيزان " بمنطقة أم روابة وقد حفظ القرآن وهو في السادسة من عمره وتعلم حرفة الصياغة ثم هاجر لطلب العلم في مناطق النيل الأبيض – أم جر – الكريدة – الدويم – ثم عاد إلى كردفان وقصد مناطق دار حامد للعمل التجاري واستقر نهائيا بالأبيض عام 1931م
وعند افتتاح محمد مسجد الأبيض الكبير عام 1932 م واصل في طلب العلم علي يد الشيخ عبدالباقي أبو ودخل في الطريقة التجانية على يد أحد علماء شنقيط – محمد السالك بن حي الحسين التجاني – وجددها علي يد الشيخ عبدالرحيم الرشيد من منطقة الفرجاب وعلى يد الشريف عبدالمنعم بأم سعدون وعلى الشيخ عبدالله آدم بقرية – أم كثيرة .
 
وللمعرفة العلمية التي ألم بها لقب بمفتي الأبيض ومفتي كردفان وشيخ علماء كردفان ويعد موسوعة في الإدارة الأهلية وامتاز بالتواصل الاجتماعي مع كل سكان مدينة الأبيض وقد أسس مكتبة عامرة في مختلف مجالات المعرفة بما فيها الفلسفات الغربية من ماركسية ووجودية لكي يرد بها على معارضيه وله دور واضح في انتشار الطريقة التجانية في مدينة الأبيض حتي وفاته 1995 (60) كما ساهم الشريف محمد طه التجاني في نشر الطريقة التجانية في مدينة الأبيض وقد هاجر إليها من المتمة في شمال السودان وأخذ الطريقة التجانية عن الشيخ محمد خير الدوش واهتم بالعمل التجاري ونشر رسالة التصوف (61). ومن علماء كردفان الذين نشروا الطريقة التجانية وساهموا في بعثها في هذه الفترة العالم عبدالباقي أبو وقد أخذ الطريقة التجانية أول مرة على الشيخ عبدالعزيز أبوقرة أحد تلاميذ الشريف محمد الغالي وجددها بعد ذلك علي يد الشريف عبدالمنعم بأم سعدون والخليفة الدرديري بخرسي والفا هاشم بالمدينة المنورة والسيد ابن عمر أثناء زيارته للسودان واستقر بمدينة الابيض ومنذ سبعين عاما وزاوية الشيخ عبدالباقي التي أصبحت الآن مسجدا فخما لم تخمد فيها نار القرآن وحلقات العلم وحلقات الذكر في الطريقة التجانية (62)
 
وقد خلفه ابنه الشيخ محمد صالح عبدالباقي والذي ولد في عام 1930م بمدينة الأبيض – حي القبة غرب – ودخل الطريقة التجانية عام 1949م على يد والده وجدد على يد السيد ابن عمر ودرس بمدينة الأبيض مدرسة البوليس – سابقا – وأكمل بقية تعليمه على يد والده في الخلوة وحفظ فيها القرآن الكريم وأسس المسجد الذي يسمى– جامع العالم عبدالباقي – عام 1961م وهو خطيب هذا الجامع وله عدد من الأولاد وهم : محمد المختار ، محمد أحمد ، عبدالجليل ، محمد الحافظ ، محمد الحبيب ، محمد الجزولي ، ويعمل بنشاط لنشر الطريقة التجانية في مدينة الأبيض (63)
 
كما عمل أبناء الشريف عبدالمنعم على نشر الطريقة التجانية في شمال كردفان في هذه الفترة ومن أبرزهم : الشيخ محمد الشريف عبدالمنعم وعبدالمعطي الشريف عبدالمنعم وكان ميلادهما في قرية أم سعدون الشريف وانتقلا إلى مدينة الأبيض ولهما خلوة وزاوية لتدريس أسس الطريقة التجانية ويعملان بنشاط في نشر الطريقة التجانية حفاظا على ماورثاه من والدهم والذي كان من المؤثرين في دخول الطريقة التجانية إلى إقليم كردفان ويسكنان الأبيض حي الشويحات شرق سوق الجمعة(64).
 
وتجمع الروايات الشفهية(*) على أن الشيخ محمد جديد أحمد يعد مؤسس النهضة العلمية الدينية في مدينة النهود ، بدأ في نشر العلم بمدينة النهود بمنزله عام 1949م ثم نقلت الحلقة إلى المسجد العتيق و إلى جانب ذلك امتهن الزراعة في فصل الخريف في قرية ( أبومكينة ) المجاورة لمدينة النهود وقد نال سكانها من علمه الكثير مما يدل على التواصل الاجتماعي بين المدينة والريف بحركة الشيخ محمد جديد والذي كان شيخا للطريقة التجانية وقد سلك عليه الكثير من الطلاب ممن جمع بين العلم والتصوف في منطقة النهود في غرب كردفان و إلى جانب العمل الزراعي كان يعطى إعانة بسيطة من قبل الفضائية ومع ذلك كان الطلاب يسكنون معه في منزله ويتكفل بسكنهم وطعامهم وشرابهم ودراستهم في الزاوية ويساعده الطلاب في العمل الزراعي (65) مما يوضح أحدى صور التواصل الاجتماعي الذي قامت به الطريقة التجانية في غرب كردفان وساهم في نشر الطريقة التجانية في مدينة النهود الشيخ عباس الفكي علي وينتمى الي الجعليين في جبل أم علي وكان ميلاده في عام 1910م بأبي زبد وحفظ القرآن الكريم بخلوة الشريف حسين ثم التحق بمدرسة النهود الشرقية الأولية سنة 1918م عند انتقال أسرته إلى النهود وتلقى تعليمه الديني عند الشيخ محمد جديد وقد أظهر ذكاء خارقا حتى أن الشيخ اطلق عليه لقب ( الذهب المجمر ) ثم هاجر إلى أم درمان ودرس على يد الشيخ عبدالعزيز الدباغ ثم عاد ودرس اللغة العربية عند الشيخ أحمد يعقوب الأزهري.
 
وقد أسس منزلا خاصا بالنهود للطلاب الوافدين للمدينة وكان يهتم به كثيرا وأسس مسجدا بحي أبوجلوف ، ويعد من المؤسسين لمعهد النهود العلمي وساهم في قيام مدرسة النهود الأهلية ومدرسة محمد أحمد الحاج الثانوية للبنات إلى جانب رئاسة دار الثقافة الإسلامية وتأسيس جمعية حي الشايقية التعاونية ورئيس صاغة الذهب وعضوا في أندية السلام وحيدوب والهلال بالإضافة لنشاطه في نشر الطريقة التجانية حتي وفاته عام 1994م (66).
 
ثانيا : التأثير فى المناطق الريفية والبادية : 
ساهم العالم عبدالجبار وابنه عبدالهادي في نشر الطريقة التجانية في غرب كردفان فى مناطق أبوزبد والسعاتة ولقاوة وقد وصف العالم عبدالجبار بالموسوعية العلمية وقد هاجر من شمال السودان إلى هذه المناطق ثم هاجر من أبي زبد وأصهر إلى أهل قرية أم جدادة العركيين (67) بالقرب من غبيش – مما أدى لتحول أهل القرية من الطريقة القادرية إلى الطريقة التجانية وأنجب في هذه المنطقة ابنه عبدالهادي الذي كان أول مدير لمدرسة أبوزبدالأولية وتولى منصب إمامة مسجد أبوزبد العتيق عام 1916م وقد عرف عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في داخل محيط المدينة (68)إلى جانب صلاته الاجتماعية بالمجتمع المحلي مما ساعد على انتشار الطريقة التجانية في هذه المناطق الريفية في تلك الفترة .
 
وبرز في مناطق لقاوة الشيخ أحمد العباس والذي ساهم في تأسيس مسجدها بالمواد الثابتة عام 1966م وفتح زاوية للطريقة التجانية في داخل لقاوة ساهمت في نشر الطريقة التجانية في بادية المسيرية ووسط قبائل ( كمدة ) في منطقة الجبال الغربية مما أدى لتعميق التحالفات والتواصل الاجتماعي وسط سكان المنطقة تحت هذه الخارطة الروحية .
 
أما الشيخ الضيف فله دور وأثر بارز تردده الروايات الشفهية في العمل الدعوي في مناطق الجبال الغربية ونشر الطريقة التجانية وسط بادية المسيرية ثم استقر في أبي زبد وقد عرف عنه إجابة الدعاء مما ساهم في رسم الخارطة الروحية في هذه المناطق(69)
 
وقام مركز أم سعدون الصوفي التجاني بدور بارز في انتشار الطريقة التجانية حول أم كريدم وباديتها لنشاط الشريف عبدالمنعم وأبنائه وأحفاده إبراهيم والشريف الجد وتركت الطريقة التجانية معالمها في المنطقة مثل الزاوية التجانية بالحي الغربي وخلوة الأحفاد في الحي الشمالي (70) مما نتج عنه قيام الطريقة التجانية في الإسهام في آليات فض النزاع في هذه المنطقة مما ساعد علي التواصل الاجتماعي في كردفان .
 
وقد ظهر دور الشريف السالك في منطقة المزروب وباديتها وقد أصهر إلى أهلها مما أدى إلى انتشار الطريقة التجانية وقد وصفته الروايات المحلية بأنه كان بحرا تشد إليه الرحال لأخذ الفتوى ) وكان يقيم في بداية أمر بقرية أم حصحاص في مسيدها بقيادة الشيخ محمد صالح غرب المزروب ثم هاجر من هذه المنطقة إلى قرية الطيب التي تبعد حوالي 5 كلم وقابل في هذه المنطقة ود الزاكي أحد علماء الدين وقد جاء من مناطق النيل الأبيض وظل معهم لتدريس الفقه ثم هاجر إلى داخل المزروب وظل على صلاته بالبادية لتدريس القرآن الكريم ونشر الطريقة التجانية (71) وظل على ذلك حتى وفاته عام 1982(72) حتي قال عنه بعضهم :
الســالــك الأواب ســفــر نــبــــــوة

نسم أفاض بطيب غرب زاخر (73)
أما الشيخ حمد آدم الطبيب الصافي فكان ميلاده في دارفور في قرية " أوقر – ريفي اللعيت " في عام 1911م وأخذ الطريقة التجانية عن الشيخ محمد المختار الشنقيطي وهو عن سيدي محمد الغالي وهو عن سيدي محمد الكبير عن سيدي أحمد بن محمد التجاني ومن أشهر تلاميذه : احمد محمد تاجر والشيخ عثمان سليمان ابكر وأحمد محمد صالح ومحمد زين وقد ساهم في تدريس القرآن وحلقات محو الأمية وتعليم الكبار وإمامة مسجد حامية الأضية واشتهر بالوعظ والإرشاد ومداومة الذكر وتلاوة القرآن والإحسان للفقراء والمساكين وكثرة شد الرحال إلى بيت الله الحرام ولاسيما المدينة المنورة لزيارة المصطفي صلى الله عليه وسلم وظل على ذلك حتى وفاته عام 1993م (74) وله أثره الواضح في رسم الخارطة الروحية في مناطق الأضية وباديتها . 
خاتمة : 
قامت الطريقة التجانية بدور بارز في التواصل الاجتماعي في إفريقيا وخاصة في كردفان التي يمكن وصفها بأنها سودان مصغر علي غرار أن السودان إفريقيا مصغرة وإلى جانب محاور الإمامة والتعليم ونشر العلم فإن هنالك مظاهر أخرى جسدت دور الطريقة التجانية في رسم الخارطة الروحية والتواصل الاجتماعي مع إفريقيا على هذا النحو :
 
- الاهتمام بتاسيس المراكز الريفية (**) ومثال ذلك تأسيس قريتي أم قريقير في شمال كردفان والتي تتبع لآل الشيخ عبدالرحمن المختاري والدبيبيات – أولاد يونس " في جنوب كردفان بواسطة الشيخ يونس عبدالرحمن أحمد (75).
 
- الاهتمام بالمرأة (***) حيث قدم الشيخ محمد الحافظ المصري عدداً من النساء مما يوضح دور المرأة في خدمة الطريقة التجانية ومن أبرزهن الشيخة أمينة – زوجة الفاتح النور – والحاجة فاطمة محمد دفع الله ابنة ناظر المسيرية الزرق وكانت تستوطن في حي القبة بمدينة الأبيض (76) كما أن أغلب نساء آل دوليب أخذن الطريقة التجانية (77)
 
- اهتمام بعض شيوخ التجانية بالطب والتداوي بالقرآن حيث برع في هذا المجال العديد من أتباع الطريقة التجانية خاصة أولئك الذين ينتمون لقبائل البرقو في مناطق الشريط الرملي بجنوب كردفان ، أمثال الشيخ بركة حسين وهارون فضل الله والفكي عباس بالإضافة للفكي محمد الخير داود من التكارير بأم سعدة والفكي علي الفولاني وقد تداوي الكثيرون من أصحاب الأمراض العقلية علي أيديهم(78)
 
- كما شكلت مراكز التجانية ملاذات آمنة يلجأ إليها الناس عند حدوث الكوارث والأوبئة وخاصة عند شح الأمطار ونزول الأوبئة والآفات في مناطق الشريط الرملي في جنوب كردفان بالإضافة لدور الطريقة التجانية في إصلاح ذات البين بين الناس في هذه المناطق بفضل مركزها الاجتماعي القوي .
 
- الاهتمام بالبدو والبادية ويظهر ذلك في علاقة مركز خرسي بالبادية الكردفانية إذ له علاقة مع أولاد نواي في سودري وجدهم الشيخ صالح أبوحنك رغم أنه كان أميا إلا أنه تميز بحفظ فتاوي ود دوليب وقد حفظت ذريته القرآن الكريم ولذلك أسس لهم الخليفة الدرديري خلوة ثم ازدادت إلى اربع خلوات في عهد الخليفة جعفر ولهم طلاب في معهد ود دوليب بخرسي كما أن لمركز خرسي علاقة بإمارة الشنابلة وعلاقة بالفراحنة (79) . مما يؤدي لامتداد المؤثرات الصوفية التجانية إلى بادية كردفان ولعل اهتمام مركز خرسي الصوفي بالبادية يتفق مع النداءات التي ترتفع اليوم بالرجوع إلى البساطة البدوية التي هي الحل المنقذ من مرضى العصر الحديث :التراخي والأنانية والعلاج لهاتين المشكلتين يكمن في البداوة المتجردة – المحبة وهي السلاح لإنقاذ إنسان الحضارة من تراخيه وأنانيته (80)
 
ولعل دور الطريقة التجانية في التواصل الاجتماعي في إفريقيا يكشف عن وصول أفكار الشيخ إبراهيم انياس السنغالي عبر نيجيريا وبحيرة الشط – شاد – ودارفور إلى غرب كردفان في شكل بعض العلماء ومخطوطات (81) توضح أنه بالإضافة لحركية شيوخ الطريقة التجانية وأدبهم الشفاهي إلا أنهم قد خاطبوا المجتمع في كردفان وأتباعهم بأدلة مكتوبة إذ إنه كما يقال ليس هنالك دال بدون مدلول .