دليل السبحة
والسبحة جائزة في الإسلام، وليست مبتدعة، قال العلامة ابن علان في شرحه على الأذكار النواوية عند قوله صلى الله عليه وسلم: “وأن يعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات” بعد كلام: (ولهذا اتخذ أهل العبادة وغيرهم السبحة. وفي “شرح المشكاة” لابن حجر: ويستفاد من الأمر بالعقد المذكور في الحديث ندب اتخاذ السبحة، وزَعْمُ أنها بدعة غير صحيح، إلا أن يحمل على تلك الكيفيات التي اخترعها بعض السفهاء، مما يمحضها للزينة أو الرياء أو اللعب.
وقال ابن الجوزي: إن السبحة مستحبة، لما في حديث صفية أنها كانت تسبح بنوى أو حصى، وقد أقرها صلى الله عليه وسلم على فعلها، والسبحة في معناها؛ إذ لا يختلف الغرض عن كونها منظومة أو منثورة.
وقال ابن علان: وهذا أصل صحيح بتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وسلم. ولا يُعتد بقول من عدها بدعة. وروي أنه رؤي مع الإمام الجنيد رحمه الله سبحة في يده حال انتهائه، فسئل عن ذلك، فقال: شيء وصلنا به إلى الله تعالى كيف نتركه؟ وقال ابن علان: وقد أفردتُ السبحة بجزء لطيف سميته “إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح” وأوردت فيه ما يتعلق بها من الأخبار والآثار، والاختلاف في تفاضل الاشتغال بها أو بعقد الأصابع في الأذكار.
وحاصل ذلك أن استعمالها في أعداد الأذكار الكثيرة التي يلهي الاشتغال بها عن التوجه للذكر أفضل من العقد بالأنامل ونحوه...). إلى آخر كلامه. فراجعه. من “الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية” للعلامة محمد بن علان الصديقي. المتوفى 1057هـ. ج1/ص251 - 252.
وقال ابن سعد في الطبقات: (حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل عن جابر عن امرأة حدثته عن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها).
وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في “زوائد الزهد” من طريق نعيم بن محرز بن أبي هريرة عن جده أبي هريرة: (أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به).
وإن أردت الإطلاع على تفاصيل الموضوع فعليك بمطالعة كتاب “الحاوي للفتاوي” للعلامة المشهور جلال الدين السيوطي المتوفى 911هـ. فقد ألف فيه رساله سماها “المنحة في السبحة” جمع فيها ما ورد من الأخبار والآثار في ذلك فراجعه إن شئت.
وقال العلامة ابن عابدين في حاشيته المشهورة: (لا بأس باتخاذ السبحة، ودليل الجواز ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، عن سعد بن أبي وقاص: أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة، وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: “أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل من هذا فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك”. فلم ينهها عن ذلك وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل، ولو كان مكروهاً لبيَّن ذلك. ولا تزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى في خيط، ومثل ذلك لا يظهر تأثيره في المنع، فلا جرم أن نُقِلَ اتخاذها والعمل بها عن جماعة من الصوفية الأخيار وغيرهم). ا.هـ من حاشية ابن عابدين ج1/ص457].
فالذكر صقال قلوب المريدين، ومفتاح باب النفحات، وسبيل توجه التجليات على القلوب، وبه يحصل التخلق بالأخلاق المحمدية.