الأصل السابع:: العلم بأن الله تعالى منزه الذات عن الاختصاص بالجهات فإن الجهة إما فوق وإما أسفل وإما يمين وإما شمال أو قدام أو خلف وهذه الجهات هو الذي خلقها وأحدثها بواسطة خلق الإنسان إذ خلق له طرفين أحدهما يعتمد على الأرض ويسمى رجلا والآخر يقابله ويسمى رأسا فحدث اسم الفوق لما يلي جهة الرأس واسم السفل لما يلي جهة الرجل حتى إن النملة التي تدب منكسة تحت السقف تنقلب جهة الفوق في حقها تحتا وإن كان في حقنا فوقا وخلق للإنسان اليدين وإحداهما أقوى من الأخرى في الغالب فحدث اسم اليمين للأقوى واسم الشمال لما يقابله وتسمى الجهة التي تلي اليمين يمينا والأخرى شمالا وخلق له جانبين يبصر من أحدهما ويتحرك إليه فحدث اسم القدام للجهة التي يتقدم إليها بالحركة واسم الخلف لما يقابلها فالجهات حادثة بحدوث الإنسان ولو لم يخلق الإنسان بهذه الخلقة بل خلق مستديرا كالكرة لم يكن لهذه الجهات وجود البتة فكيف كان في الأزل مختصا بجهة والجهة حادثة؟؟ وكيف صار مختصا بجهة بعد أن لم يكن له ؟؟أبأن خلق العالم فوقه ويتعالى عن أن يكون له فوق إذ تعالى أن يكون له رأس والفوق عبارة عما يكون جهة الرأس أو خلق العالم تحته فتعالى عن أن يكون له تحت إذ تعالى عن أن يكون له رجل والتحت عبارة عما يلي جهة الرجل
وكل ذلك مما يستحيل في العقل ولأن المعقول من كونه مختصا بجهة أنه مختص بحيز اختصاص الجواهر أو مختص بالجواهر اختصاص العرض وقد ظهر استحالة كونه جوهرا أو عرضا فاستحال كونه مختصا بالجهة
وإن أريد بالجهة غير هذين المعنيين كان غلطا في الاسم مع المساعدة على المعنى ولأنه لو كان فوق العالم لكان محاذيا له وكل محاذ لجسم فإما أن يكون مثله أو أصغر منه أو أكبر وكل ذلك تقدير محوج بالضرورة إلى مقدر ويتعالى عنه الخالق الواحد المدبر
فأما رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء وفيه أيضا إشارة إلى ما هو وصف للمدعو من الجلال والكبرياء تنبيها بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلاء فإنه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء
الأصل الثامن:: العلم بأنه تعالى مستو على عرشه بالمعنى الذي أراد الله تعالى بالاستواء وهو الذي لا ينافي وصف الكبرياء ولا يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء وهو الذي أريد بالاستواء إلى السماء حيث قال في القرآن ثم استوى إلى السماء وهي دخان وليس ذلك إلا بطريق القهر والاستيلاء كما قال الشاعر::
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
واضطر أهل الحق إلى هذا التأويل كما التأويل كما اضطر أهل الباطن إلى تأويل قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم إذ حمل ذلك بالاتفاق على الإحاطة والعلم
وحمل قوله صلى الله عليه وسلم قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن على القدرة والقوة وحمل قوله صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود يمين الله في أرضه على التشريف والإكرام
لأنه لو ترك على ظاهره للزم منه المحال فكذا الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسما مماسا للعرش إما مثله أو أكبر منه أو أصغر وذلك محال وما يؤدي إلى المحال فهو محال