التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في معرفة ذات الله سبحانه وتعالى وأن الله تعالى واحد ومداره على عشرة أصول


فأما الركن الأول من أركان الإيمان
في معرفة ذات الله سبحانه وتعالى وأن الله تعالى واحد ومداره على عشرة أصول::
 الأصل الأول معرفة وجوده تعالى وأول ما يستضاء به من الأنوار ويسلك من طريق الاعتبار ما أرشد إليه القرآن فليس بعد بيان الله سبحانه بيان وقد قال تعالى ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا وقال تعالى إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون وقال تعالى ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا وقال تعالى أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون إلى قوله للمقوين
 فليس يخفى على من معه أدنى مسكة من عقل إذا تأمل بأدنى فكرة مضمون هذه الآيات وأدار نظره على عجائب خلق الله في الأرض والسموات وبدائع فطرة الحيوان والنبات أن هذا الأمر العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره وفاعل يحكمه ويقدره بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرفة بمقتضى تدبيره ولذلك قال الله تعالى أفي الله شك فاطر السموات والأرض
ولهذا بعث الأنبياء صلوات الله عليهم لدعوة الخلق إلى التوحيد ليقولوا لا إله إلا الله وما أمروا أن يقولوا لنا إله وللعالم إله فإن ذلك كان مجبولا في فطرة عقولهم من مبدأ نشؤهم وفي عنفوان شبابهم ولذلك قال عز وجل ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله وقال تعالى: )فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم( فإذا في فطرة الإنسان وشواهد القرآن ما يغني عن إقامة البرهان ولكنا على سبيل الاستظهار والاقتداء بالعلماء النظار نقول:
 من بدائه العقول أن الحادث لا يستغنى في حدوثه عن سبب يحدثه والعالم حادث فإذا لا يستغنى في حدوثه عن سبب
أما قولنا إن الحادث لا يستغنى في حدوثه عن سبب فجلي فإن كل حادث مختص بوقت يجوز في العقل تقدير تقديمه وتأخيره فاختصاصه بوقته دون ما قبله وما بعده يفتقر بالضرورة إلى المخصص
وأما قولنا العالم حادث فبرهانه:: أن أجسام العالم لا تخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ففي هذا البرهان ثلاث دعاوى
الأولى قولنا إن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهذه مدركة بالبديهة والاضطرار فلا يحتاج فيها إلى تأمل وافتكار فإن من عقل جسما لا ساكنا ولا متحركا كان لمتن الجهل راكبا وعن نهج العقل ناكبا
 الثانية: قولنا إنهما حادثان ويدل على ذلك تعاقبهما ووجود البعض منهما بعد البعض وذلك مشاهد في جميع الأجسام ما شوهد منها وما لم يشاهد فما من ساكن إلا والعقل قاض بجواز حركته وما من متحرك إلا والعقل قاض بجواز سكونه فالطارىء منهما حادث لطريانه والسابق حادث لعدمه لأنه لو ثبت قدمه لاستحال عدمه على ما سيأتي بيانه وبرهانه في إثبات بقاء الصانع تعالى وتقدس
الثالثة: قولنا ما لايخلو عن الحوادث فهو حادث وبرهانه أنه لو لم يكن كذلك لكان قبل كل حادث حوادث لا أول لها ولو لم تنقض تلك الحوادث بجملتها لا تنتهي النوبة إلى وجود الحادث الحاضر في الحال وانقضاء ما لا نهاية له محال ولأنه لو كان للفلك دورات لا نهاية لها لكان لا يخلو عددها عن أن تكون شفعا أو وترا أو شفعا ووترا جميعا أو لا شفعا ولا وترا ومحال أن يكون شفعا ووترا جميعا أو لا شفعا ولا وترا فإن ذلك جمع بين النفي والإثبات إذ في إثبات أحدهما نفي الآخر وفي نفي أحدهما إثبات الآخر ومحال أن يكون شفعا لأن الشفع يصير وترا بزيادة واحد وكيف يعوز ما لا نهاية له واحد ومحال أن يكون وترا إذ الوتر يصير شفعا بواحد فكيف يعوزها واحد مع أنه لا نهاية لأعدادها ومحال أن يكون لا شفعا ولا وترا إذ له نهاية
 فتحصل من هذا أن العالم لا يخلو عن الحوادث وما لا يخلو عن الحوادث فهو إذن حادث وإذا ثبت حدوثه كان افتقاره إلى المحدث من المدركات بالضرورة