التخطي إلى المحتوى الرئيسي

علاج الغضب بعد هيجانه


بيان علاج الغضب بعد هيجانه
ما ذكرناه هو حسم لمواد الغضب وقطع لأسبابه حتى لا يهيج، فإذا جرى سبب هيجه فعنده يجب التثبت حتى لا يضطر صاحبه إلى العمل به على الوجه المذموم، وإنما يعالج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل.
أما العلم فهو ستة أمور؛ الأول: أن يتفكر في الأخبار التي سنوردها في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال فيرغب في ثوابه، فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي والانتقام وينطفئ عنه غيظه، قال مالك بن أوس ابن الحدثان: غضب عمر على رجل وأمر بضربه فقلت يا أمير المؤمنين "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" فكان عمر يقول "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" فكان يتأمل في الآية وكان وقافاً عند كتاب الله مهما تلي عليه كثير التدبر فيه فتدبر فيه وخلى الرجل. وأمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل ثم قرأ قوله تعالى "والكاظمين الغيظ" فقال لغلامه خل عنه.
الثاني: أن يخوف نفسه بعقاب الله وهو أن يقول قدرة الله على أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت غضبي عليه لم آمن أن يمضي الله غضبه علي يوم القيامة أحوج ما أكون إلى العفو. فقد قال تعالى في بعض الكتب القديمة: يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق. وبعث رسول الله ﭬ وصيفاً إلى حاجة فأبطأ عليه فلما جاء قال "لولا القصاص لأوجعتك" أي القصاص في القيامة. وقيل ما كان في بني إسرائيل ملك إلا ومعه حكيم إذا غضب أعطاه صحيفة فيها: ارحم المسكين واخش الموت واذكر الآخرة، فكان يقرؤها حتى يسكن غضبه.
الثالث: أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمر العدو لمقابلته والسعي في هدم أغراضه والشماتة بمصائبه وهو لا يخلو عن المصائب فيخوف نفسه بعواقب الغضب في الدنيا إن كان لا يخاف من الآخرة. وهذا يرجع إلى تسليط شهوة على غضب وليس هذا من أعمال الآخرة ولا ثواب عليه، لأنه متردد على حظوظه العاجلة يقدم بعضها على بعض، غلا أن يكون محذوره أن تتشوش عليه في الدنيا فراغته للعلم والعمل وما يعينه على الآخرة فيكون مثاباً عليه.
الرابع: أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب بأن يتذكر صورة غيره في حالة الغضب، ويتفكر في قبح الغضب في نفسه ومشابهة صاحبه للكلب الضاري والسبع العادي، ومشابهة الحليم الهادئ التارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء، ويخير نفسه بين أن يتشبه بالكلاب والسباع وأرذال الناس وبين أن يتشبه بالعلماء والأنبياء في عادتهم لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مسكة من عقل.
الخامس: أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الإنتقام ويمنعه من كظم الغيظ، ولا بد وأن يكون له سبب مثل قول الشيطان له: إن هذا يحمل منك على العجز وصغر النفس والذلة والمهانة وتصير حقيراً في أعين الناس! فيقول لنفسه: ما أعجبك! تأنفين من الاحتمال الآن ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك؟ وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس ولا تحذرين من أن تصغري عند الله والملائكة والنبيين؟ فمهما كظم الغيظ فينبغي أن يكظمه لله، وذلك يعظمه عند الله، فما له وللناس؟ وذل من ظلمه يوم القيامة أشد من ذله له انتقم الآن، أفلا يحب أن يكون هو القائم إذا نودي يوم القيامة: ليقم من أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا؟ فهذا وأمثاله من معارف الإيمان ينبغي أن يكرره على قلبه.
السادس: أن يعلم أن غضبه من تعجبه من جريان الشيء على وفق مراد الله لا على وفق مراده، فكيف يقول مرادي أولى من مراد الله؟ ويوشك أن يكون غضب الله عليه أعظم من غضبه.