الفصل الأول: تعريف مصطلح فقه الطريقة
المبحث الأول
تعريف الفقه لغةً و اصطلاحاً:
الفقه في البيان العربي هو العلم بالشئ وفهمه مطلقاً، وغَلَب على علم الدِّين (فقه الدين) لسيادتهِ وشرفهِ وفضلهِ على سائرِ أنواع العِلم ..قال أبن الأثير: (واشتقاقهِ - يعنى الفقه - من الشَّقِ والفتح ثم نقل إلى معنى الفهم والعلم، وقد جعله العُرْفُ خاصاً بعِلمِ الشريعةِ كما أن الثابت في تأريخ الفكر الإسلامي أطلق لفظ الفقه على عِلم أصول الدين ونَعَتوُه بالفقه الأكبر ومفهومه يُفيد أنّ فقه الفروع (الأحكام الشرعية) فقه أصغر.
وكلمة (ف.ق.هـ) إما أن تأتى عينها:-
مضمومة (فقُه) يفقُه - فقاهةً فهو فقيه، وهى فقيهه، وهم فقهاء، وهُنَّ فقائه وتستعمل الكلمة مضمومة العين في باب النُعُوتِ فيُوصف بها من كان الفقه له سَجِية حتى بزَّ غيره وساد فيه.
مكسورة (فقِه) يفقه - فِقْهاً - فهو فقيه، بمعنى فَهِمَ و عَلِمَ فهو عَالِم.
مفتوحةَ (فقَه) يَفْقَه، فقهاً - فهو فَقهٌ، وهى فقيهةٌ، بمعنى فَطنَّ إلى الشئ وأسرعَ فهمه إليه، وفي حديث سلمان الفارسي t إنه نزل على نَبَطيّةٍ بالعراق فقال لها: هل هنا مكانٌ نظيفٌ أُصلّى فيه ؟ فقالت طَهِّر قلبك وَصلِّ حيثُ شئت، فقال سلمان فَقِهَتْ: أي تفطنت وأسرع فَهْمها للمعنى الذي أرادت.
فقه الطريقة اصطلاحاً:
حتى يمكننا أن نُعَرِّفَ (فقه الطريقة) من حيث الاصطلاح فإنه لابد من الإشارة في هذا المضمار إلى أمرين:-
الأول: تعريف (الفقه) باعتبار (اللّقب).
الثاني: تعريف (الفقه) باعتبار (الإضافة).
وعن الأول نقول:
غَلَبَت العلوم الشرعية على مفهوم الفقه فصار عند العلماء علماً بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية، والأحكام الشرعية جمع حُكم والحكم عند المَنَاطقة هو النسبة التامّة الخبرية التي تُفيد العلم فَتُفْضِي بصاحبها إلى التصديق وعلى ذلك فإن الفقه بعبارةِ أخرى هو:
[التصديق بالقضايا الشرعية المتعلقة بكيفية العمل تصديقاً حاصلاً من الأدلة التفصيلية التيح نَصَبها الشارع أدلّة على تلك القضايا] .
والأدلة التي إلتزمها فقهاء المسلمين نوعان:-
مصادر أصلية وهى:
[1] الكتاب [2] السُنة [3] الإجماع
وقد استنبط علماء الأصول من الكتاب والسُنة عشرة مصادر للاستدلال التفصيلي على الأحكام الجزئية.
مصادر تبعية:
وقد بلغ بها العلماء عشرة أدلة سَيَرِد تفصيلها كلها في مبحثها من هذه الدراسة وعلى ذلك فالفقه لقبٌ غَلَب على علوم الأحكام الشرعية الجزئية العملية.
أما الثاني:
تعريف الفقه من حيث الإضافة:
ولا يخفي أنّ تعريف الفقه في هذا السياق يرتبط بتعريف وتمييز المضاف لأنّ الفقه في هذا المجال يَتنَوَّعُ بتنوُّعِ المضاف.. فهناك:
الفقه القانوني، الفقه الدستوري، الفقه الاقتصادي، الفقه السياسي، الفقه الاجتماعي
كما أنّ هناك: فقه الشريعة، فقه الطريقة، فقه الحقيقة
ويهمنا في هذه المقدمة أن نتكلم عن فقه الطريقة الذي يُفْضى إلى فقه الحقيقة ويعتبر الفقهان من (فقه الدِّين) في مفهومهِ الواسع. وحديثنا عن فقه الطريقة ليس بدعاً و إنما هو رجوع بمفهوم الفقه إلى عصر النُّبوة.. يقول الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين ج1ص31:
[تصرف الناس في اسم الفقه فَخَصُّوه بعلم الفتَاوى والأحكام العملية الجزئية والوقوف على دلائلها وعللها أما اسم (الفقه) في العصر الأول فقد كان مطلقاً على علم الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس والزهد في الدنيا والإنابة إلى الله وأن الفقيه في العصر الأول هو (البصير بدِينهِ المُدَاومُ على عبادةِ ربهِ الورِع الكافّ عن أعراض المسلمين) .. وعلى ذلك فإن الطريقة التي أضيف إليها الفقه، تعنى ذلك المنهج السلوكي العملي الذي يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية بُغية الوصول إلى الله تبارك و تعالى .
أما فقه الطريقة فيمكن أن نُعَرِّفهُ بأنه:
(استخراج أحكام وآداب الطريقة العلمية و العملية من مصادرها وقواعدها الكلية).
ولما كانت الطريقة جزءاً من شريعة الإسلام تمثل جانب السلوك والعمل الذي يُقَرِّب صاحبه إلى الله فإنه لابد أن يشترك فقه الطريقة مع فقه الأحكام الشرعية العملية الجزئية في المصادر وسَتَرِد مصادر فقه الطريقة في المبحث الخاص بها من هذه الدراسة. هذا ويُلاحظ أن تعريف فقه الطريقة قد شمل الفقهين ونعنى بهما:-
الفقه الأكبر:
ويشمل فقه أصول الطريقة لصوفية، ونعنى بها الأسس التي تُشَكِّل مقومات الطريقة الصوفية والتي يلزم المرشد في الطريقة أن يكون محققاً منها وهى:
التمسك بكتاب الله عزّ وجلّ دراية رعاية والاقتداء بسُنة الرسول صلى الله عليه وسلم في التوبة، العهد والبيعة، المجاهدة، التخلي ، التحلي، الفنائي، البقاء، التجلي.
فهذه أصول عشرة عليها يقوم بناء الطريقة وتستمد هذه الأصول العشرة شرعيتها من المصادر الشرعية للطريقة، أما تفصيل المصادر فله رسالة خاصة به في هذه السلسلة. والتَفَقُه في هذه الأصول العَشْرَة وفَهم علومها واستخراج أحكام الطريقة الجزئية منها ومعرفة الفروق بين قواعدها الكلية أمرٌ لازمٌ لمرشدي الطريقة، ولا سيّمَا مشايخ التزكية من فقهاء السير والسلوك إلى الله تبارك وتعالى ومن العرفان والوفاء أقول في هذا السِّيَاق إنّ شيخنا وأستاذنا وقدوتنا القطب الشيخ عبد المحمود (الحفيان) قد كان ذا قدم راسخ في علم أصول الطريقة كما أنى قد اقتديت بهداه في فقه الطريقة الذي يتعلق بالعمل، ومن ثم كانت التجربة الذاتية والاندراج في سلك الطريقة مما يعتبره فقهاء الطريقة من اللوازم الأساسية لمعرفة فقه المنهج القويم والصراط المستقيم.
الفقه الأصغر:
ويشمل أحكام الطريقة العملية الجزئية، شعائرها وشرائعها وآدابها وإلحاق هذه الفروع بأصولها. وسنتعرض إلى فقه الطريقة أصولاً وفروعاً في هذه السلسلة، بمشيئة الله وعونه وتوفيقه حتى تتم الفائدة ويعم النفع، رجاءاً لما عند الله تبارك وتعالى.
المبحث الثانى
تعريف الطريقة:-
الطريقة لغةً: أورد إبن منظور في لسان العرب مادة (طرق) العديد من معاني هذه المادة تبعاً لتنوع الإشتقاقات ومباني الكلمات، ويهمنا من ذلك قوله: [(الطريق) السبيل، تُذَكَّر وتُؤَنث - تقول: الطريق الأعظم، والطريق العُظمى، والجمع، أطْرِقه، وطُرق].
ومن حديث سَبُرة:
(إنّ الشيطان قعد لأبن آدم بأطْرُقه (جمع طريق) وطُرُقَاتٌ، جَمْعُ الجَمْع وبَناتُ الطَرَيق وبُنَّياته، ما تفرق وأختلف فأخذ كلٌّ ناحيةً، وتَطَرَّقَ سلك الطريق وتَطَرَّق إلى الأمر، فإنها تعنى دخل في الأمر وسلك فيه.
أما الطريقة: فتأتى في فقه العرب بمعنى: السيرة، والسُنة، والمذهب، والمنهج، والحال، والرجل الصالح الشريف.
وفي اصطلاح القوم:
تأتى الطريقة بمعنى التزام مذهب أو منهج بُغية الوصول إلى الله عز وجل ولمّا كان الإنسان لا يصل إلى الله تبارك وتعالى إلاّ بما شرع الله فإنّه يلزم من ذلك أن تكون هذه الطريقة طريقة شرعية.
فالطريقة في مصطلح أهلها:
(منهج سلوكي على طريق الحقِّ بِصدقٍ يصل بأهلهِ إلى تحقيق العبودية الحق لله عز وجل)
فقولنا: منهج قصدنا به أنه مُنْتَهجٌ من قبل، ولم يبتدعه أهل الطريقة.
وقولنا: سلوكي قصدنا به أنه مذهب عملي يُعْنىَ بتقويم الإنسان وتثقيفه.
وقولنا: على طريق الحقّ قصدنا به مَرْجَعيّة هذا المذهب إلى مصادر الحقّ الشرعية.
وقولنا : بصدقٍ قصدنا به الإخلاص و التجرد في سلوك هذا المنهج.
أما قولنا: يصل بأهله إلى تحقيق العبودية الصدق لله عز وجل فهو إشارة إلى غاية هذا المنهج بإعتبار أن أسمى غايات الإنسان أن يحقق مُرَادَات الحق التكليفية ليصل إلى مقام الرضوان الأكبر عند الله تبارك وتعالى،وجماع ذلك في تحقيق عبودية الإنسان للرّحمن.