التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ترك العمل بالضعيف دليل انتشار الجهل ومخالفة السلف

ترك العمل بالضعيف دليل انتشار الجهل ومخالفة السلف

الشيخ عبدالعزيز عرفة المكي
الحديث الضعيف كما قال العلماء هو ما فقد شرطا من شروط القبول، والمقبول هو الذي أعم من الصحيح والحسن، بدليل ماقاله السخاوي: إذا تلقت الأمة الضعيف بالقبول فإنه يعمل به على الصحيح، حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به. وخرجوا على هذا القاعدة المشهورة: لايعمل بالضعيف في الأحكام ما لم يكن تلقته الناس بالقبول، فإذا كان كذلك تعين وصار حجة يعمل به في الأحكام وغيرها، وذكر قبله شيخه الحافظ ابن حجر هذه القاعدة:

(الحجة في ذلك إجماع العلماء على مقتضاه) أي أن الحجة التي جعلت الضعيف متواترا هي قرينه إجماع العلماء على قبوله.
فلماذا ننكر أحاديث بحجة أنها ضعيفة؟!
أليس هذا العمل من انتشار الجهل أو مخالفة للسلف الذين أثبتوا أن العمل بالحديث الضعيف يعتمد على قرائن، أهمها: موافقته للأصول، وأخذ به العلماء الفحول.
هذا الإمام ابن تيمية يرد على كل من سولت له نفسه الضعيفة برد كلام الأئمة المتبوعين والاعتداء عليهم من خلال أقوال سخيفة، يقول رحمه الله في (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ص22:
«إن هذه الدواوين المشهورة في السنن، إنما جمعت بعد انقراض الأئمة المتبوعين رحمهم الله تعالى.. وقال بعد كلام -: بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين كانوا أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير، ويؤكد ما قاله: فكانت دواوينهم صدورهم، التي تحوي أضعاف ما في الدواوين».

الفروع
(قلت): مستشهدا بقول الإمام النووي إن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة لم يزل الخلاف بينهم في الفروع الفقهية معروفا مشهورا ولا ينكر أحد منهم على غيره. وهذا يدلنا (على أن عدم جواز إنكار المختلف فيه أمر مجمع عليه بينهم كما يشير إليه كلام النووي الذي ذكرناه آنفا) وبمعنى آخر أن المختلف فيه لا ينكر على فاعله، وأعني بعدم الإنكار على الفتوى عدم الإنكار على دليلها وعدم البحث فيه لثقة الصدور والفحول من وفقوا بين المنقول والمعقول.
فكيف نطعن ونرد في أدلتهم بحجة التضعيف وقد تلقت الأمة الضعيف بالقبول إذا عمل به أهل العلم، فكل حديث عمل به أهل العلم مقبول يعمل به - كما ذكرنا آنفا - ولا يلتفت لأدنى طعن في إهابه كما سنقرر (كل كتب الحديث التي جاءت بعد الأئمة المجتهدين لم تغير 



إذا ترك العلماء شيئا له


أصل أخذنا به للحاجة

في أحكامهم ولم تبدل في مسائلهم، الذي غير بعضها تغير الأعراف ونداء الحاجات وظهور النوازل).
وهذا الذي يجعلنا نجتهد في أقوال السلف رحمهم الله تعالى، بحيث ننزل مفهوم الشريعة على واقع الحال. فنحن في حاجة - في هذا الزمان - لذخيرة علمية من أقوالهم وتذوقهم وآدابهم، أما الطريقة المجتثة (في سنده فلا..) هذا لانستعمله إلا في حالة إثبات حديث أو رده، فنجمع كل الطرق والشواهد وننظر في علله ووصله و(رجاله) وليعلم أن ما قيل في رجال السند هو ناتج عن اجتهاد، والاجتهاد يقبل الخطأ والصواب. كما قال الحافظ المنذري عن اختلاف أهل الجرح والتعديل كاختلاف الفقهاء.
ومن المهم أن نعلن ان هذا - الحديث - أخذ به أهل العلم أو لم يأخذوا به! فإن لم يأخذ به أهل العلم وهو له أصل ونحتاجه في حالنا وواقعنا (فلنحرره ونظهره).

موقف المحدثين
وقد أجاب الحافظ على جهل المنكرين المتزمتين المتنطعين - الذين انحصروا في حظيرة خطيرة - الذين لايعرفون إلا رسم السند، وظنوا هذا علم الحديث المنفرد!.
الذي يؤكد ما ذكرناه ما قاله الدارقطني - في عادة مالك - قال في العلل ج6 صفحة 63:
«ومن عادة مالك إرسال الأحاديث وإسقاط رجل» ا.هـ
(قلت): ومع ضعف الحديث بإرساله أو انقطاعه فقد أخذ به مالك وأصبح دليلا قويا وحجة مقبولة عند جمهور العلماء.
ودليل آخر ذكره الألمعي الحافظ الزيلعي يصرح في (نصب الراية) ج2 ص444 عن عبدالله ابن المبارك:
«إن ابن المبارك يروي كثيرا من الاحاديث فيوقفها» ا.هـ
(قلت): وأيضا لم ينظر أهل العلم في أن الحديث موقوف بل أخذوا بقول عبدالله ابن المبارك لجلالته وإمامته وأصبح كلامه فتوى يعمل به.

الموصولات
ولزيادة كشف حال أدلة السلف وثقتهم بمن سبقهم نضيف كلام سيدي أحمد الغماري يقول في (المداوي) ج5 ص406:
«... وسائر الأقدمين من طبقتهم كمالك وابن أبي شيبة وعبدالرزاق وابن المبارك: يؤثرون الموقوفات والمقاطيع والمراسيل على المرفوعات والموصلات...».
وقال سيدي أحمد بن الصديق عقب هذا: «... فكم من حديث موصول مرفوع في الصحيحين والسنن تجده في هذه الكتب موقوفا ومرسلا من نفس الطريق التي هو منها موصول ومرفوع في الصحيحين». ا.هـ
(قلت): هذا دليل على أن الثقة إذا قال كلاما فكلامه محقق، وإذا أفتى فلابد لفتواه أصل، وكما قال البيهقي حينما نقل كلام أبي قلابة (في الجنة قصر لصوم رجب) ثم قال بعده: (وأبو قلابة من كبار التابعين، لايقول مثل هذا إلا عن بلاغ ممن فوقه).
ولم يبحث في وصله أو اتصاله بل قبله كما قاله أبو قلابة وهو البيهقي وما أدراك ما البيهقي، والظن حسن في السلف وما نقلوه وإن كان مقطوعا أو مرسلا فقد قبلوه وقبله أقرانهم ومن في زمانهم ونقل إلينا، وعمل الجمهور بفتواهم وبأقوال أقرانهم من الفقهاء بدون بحث أو شك في كلامهم، ثم جاءت الدواوين فأوصلت كلامهم بأسانيدهم فكانت الدواوين مؤكدة لامؤسسة، رزقنا الله الأدب معهم أجمعين.
بل هم كانوا ينقلون عن سلفهم تقليدا وثقة، فهذا من أجمعوا على جلالته سيدنا محمد بن إدريس الشافعي يقول في أكثر من مسألة: «قلدت فيها عطاء»، ولم يبحث في كلام عطاء متصلا أو منقطعا، وهذا أمير المؤمنين في الحديث أحمد ابن حنبل عندما سئل عن مسألة: ما دليلها؟ قال: «يكفي ما قاله الشافعي»، وذكر ابن القيم الجوزية في كتابه (جلاء الأفهام) ص479: «قال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: فإذا فرغت من قراءتك (قل أعوذ برب الناس) فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه وكان سفيان ابن عيينة يفعله معهم في مكة. وهذان الحافظان الجليلان وكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد القطان قلدا أبي حنيفة النعمان كما ثبت عنهما في (تذكرة الحفاظ) في ترجمة وكيع ولم يبحثا عن أدلة أبي حنيفة متصلة أو منقطعة.
ولو فتحنا هذا الباب لملأنا الصفحات ولكن يكفي ما ذكرنا عن السلف السادات فهل بالله يا أخي أليس من حقنا أن نحسن الظن ونأخذ بقول السلف المحققين؟ أو ننجر لجهل غامس وظلام دامس ونقول: (يجب أن يكون دليل هذه المسألة على شرط الشيخين أو صحيح وإلا لا نعمل به وإن قال به فلان وقال به فلان)!! نعوذ بالله من علم لاينفع. فيا أخي كن منصفا واترك التعسفا، تنهل صفا من صفا ووفا أهل والوفا، والذخيرة كلها في الفروع التي وضعها لنا أهل الاستنباط والأصول، فوافقوا المعقول وحرروا المنقول، والله عز وجل المسؤول أن يوفق أهل العلم للعلم النافع ويرزقهم الحلم.